فهد عامر الأحمدي
في عام 2002دخلتُ - برفقة أم حسام - معرضا للمستلزمات النسائية في تايبيه. وحين وصلنا الى قسم الشعر المستعار بدأنا نسأل البائع عن أنواع (البواريك أو الباروكات) وخصائصها ولماذا تبدو حقيقية في ملمسها.. وأذكر أنه أجابني بقوله "تبدو حقيقية لأنها كذلك بالفعل" فسألته وأنا شبه مصدوم "هل تعني أنها أخذت من أشخاص متوفين!!؟" قال "متوفين وغير متوفين"... وهنا تراجعنا خطوتين للوراء ولكن فضولي لم يسمح لي بترك المحل قبل طرح المزيد من الأسئلة.. فحتى تلك اللحظة كنت أعتقد أن صناعة الشعر المستعار تعتمد على اللدائن والمواد المتبلمرة (وربما صوف الخرفان على رؤوس القضاة الإنجليز) ولكنني لم أتصور اعتمادها على شعر المتوفين أو المحتاجين من الناس..
ففي دول شرق آسيا - حيث الشعور الحريرية تصل للركب - لا تمانع معظم العائلات من بيع شعور موتاها بدافع الفقر والحاجة. وهذا النوع - من البواريك - يباع بمبالغ كبيرة تصل إلى أربعة أو خمسة آلاف ريال في حين لا تنال عائلة المتوفى (أو صاحبته المسكينة) عُشر قيمتها في السوق!!
... ومايحصل في سوق الشعر المستعار مجرد نموذج لاستغلال جسم الإنسان (كمصدر خام) في غياب الضمير والحس الأخلاقي... وأنا لا أتحدث فقط عن المتاجرة بالاعضاء البشرية كالكلية والقرنية والقلب (التي يعرفها جميعنا) بل عن الصناعات التحويلية وتوفير الخامات الأولية.. فألمانيا النازية مثلا استعملت جثث المعتقلين لإنتاج الزيوت والصوابين والمواد الكيميائية.. وأثناء احتلال مصر كان الجيش البريطاني يبحث في الصحراء عن الجثث المحنطة ويستعملها كوقود للقطارات.. وفي أفغانستان - أيام الحرب ضد الروس - احترف بعض التجار تكسير عظام الموتى وبيعها كمواد كلسية.. وفي الصين تعمد المعامل الشعبية لشراء الفضلات البشرية لإنتاج الأسمدة والمفرقعات.. وحتى يومنا هذا تشتري مختبرات التجميل العالمية مشيمات الأجنة المجهضة لتحضير مغذيات البشرة ومانعات التجعد!!!
... أما الحادثة التي زودت أوربا بالأسنان الجميلة لفترة طويلة فكانت معركة واترلو المعروفة. فهذه المعركة (التي وقعت في بلجيكا عام 1815) تعد الأكبر من نوعها وشكلت النهاية الحقيقية لنابليون بونابرت. فقد حشد الطرفان (الفرنسيون من جهة / والانجليز والبروسيين من جهة أخرى) أكثر من نصف مليون مقاتل لم تزد أعمار معظمهم على ال 25عاما. وبسبب تساوي القوتين ومهارة القائدين كان يموت في المتوسط 50.000شاب في اليوم الواحد (... تخيل!!). وحين تهدأ المعارك في الليل يتسلل إلى ساحة القتال سماسرة الأعضاء البشرية لاستئصال ما يمكن استئصاله من أجساد المتوفين قبل شروق الشمس.. فقد كانت واترلو بالنسبة لهم فرصة تاريخية لا تتكرر - لا من حيث كثرة المتوفين ولا من حيث وفاتهم في سن صغيرة. وكان أكثرهم سرعة ومهارة لصوص الأسنان البشرية الذين لا يترددون في قلعها من أفواه الجنود - دون حتى التأكد من وفاتهم النهائية.. وفي صباح اليوم التالي كانوا يبيعون حصيلتهم لسماسرة الأسنان في بروكسل أو يصدرونها لبقية الدول الأوربية.. وخلال المائة عام التالية تحولت (أسنان واترلو) إلى ماركة تجارية زودت أوربا بالأسنان الجميلة وعُدت لفترة طويلة من أهم صادرات بلجيكا!!
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!