فكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة .
قال الله تعالى : [ و َمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ ] ( سورة الأنعام : الآية 160 ) .
لكن السيئة تعظم أحيانا بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل ،
فالسيئة أعظم تحريما عند الله في الأشهر الحرم ، و في عشر ذي الحجة لشرفها عند الله ، و الخطيئة في الحرم أعظم لشرف المكان ،
قال ابن القيم رحمه الله : تضاعف مقادير السيئات لا كمياتها ،
فإن السيئة جزاؤها السيئة ، لكن سيئة كبيرة و جزاؤها مثلها
و سيئة صغيرة و جزاؤها مثلها ، فالسيئة في حرم الله و بلده
و على بساطه آكد منها في طرف من أطراف الأرض ،
و لهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه
كمن عصاه في الموضع البعيد من داره و بساطه . انتهـ.ى كلامه
و السيئة من بعض عباد الله أعظم ، لشرف فاعلها ،
و قوة معرفته بالله و قربه من الله سبحانه و تعالى ،
كما قيل : حسنات الأبرار سيئات المقربين .
و الأشهر الحرم هي : ذو العقدة و ذو الحجة و المحرم و رجب ،
كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات
و الأرض ، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة
و ذو الحجة و المحرم ، و رجب ، شهر مُضر ، الذي بين جمادى و شعبان " .
و قول النبي صلى الله عليه و سلم : و رجب شهر مضر الذي بين جمادى
و شعبان ، لأن ربيعة كانوا يحرمون شهر رمضان و يسمونه رجباً ،
و كانت مضر تحرم رجباً نفسه ، و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم :
" الذي بين جمادى و شعبان " تأكيداً و بياناً لصحة ما سارت عليه مُضر .
و أما مضاعفة الثواب و العقاب في هذه الأشهر ، فقد صرح بها بعض أهل العلم استناداً لقول الله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) [ سورة التوبة : الآية 36 ] .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : ( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ )
أي في هذه الأشهر المحرمة ، لأنها آكد ، و أبلغ في الإثم من غيرها ،
كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف ،
لقول الله تعالى : ( وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )
[ سورة الحج : الآية 25 ] .
و كذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ، و لهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي و طائفة كثيرة من العلماء ، و كذا في حق من قَتل في الحرم أو قتل ذا محرم ، ثم نقل عن قتادة قوله : إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة
و وزراً من الظلم في سواها ، و إن كان الظلم على كل حال عظيماً ،
و لكن الله يعظم في أمره ما يشاء . انتهى كلامه .
و قال القرطبي رحمه الله : لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب ،
لأن الله سبحانه و تعالى إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة ، و إذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء ، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح ، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ، و من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال ،
و قد أشار الله إلى هذا بقوله : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً )
[سورة الأحزاب : الآية30 ] . انتهى كلام القرطبي .
و الله أعلم .
مركز الفتوى بإشراف د . عبدالله الفقيه