دعسان بن حطاب شاعر الصحراء

كنت قد كتبت قبل اسابيع خلت نبذة عن آل الدويش زعماد قبيلة مطير وتسلسلهم بالزعامة والبروز في صحراء الجزيرة العربية كان من ضمن الذين شاركوا في بروز هذه القبيلة (دعسان بن حطاب) الذي ربما لا يعرفه الا قليل اليوم.

دعسان بن حطاب بالنسبة لمطير والدوشان يعتبر مثل الشاعر الفرزدق مع بني دارم من قبيلة بني تميم.

كان المعروف منذ القديم منذ عصر الجاهلية والى فترة قريبة من القرن الماضي، القرن العشرين، كان كل قبيلة يكون بها شاعر ونستطيع ان نقول ان هذا الشاعر مثل ناطق رسمي باسم القبيلة او قل صحيفة متنقلة نظرا لان في تلك الحقبة لا صحف ولا مجلات ولا اذاعة ولا تلفزيون حتى تستطيع ان تنشر رأي وافكار القبيلة وكذلك الدفاع عنها والذود كذلك باللسان.

فقد كان الشاعر هو الناطق الرسمي وهو يستلهم افكار زعيم القبيلة او زعمائها ثم يصبها شعرا يتناقله القوم وهو بهذه الصورة سهل الحفظ والنقل من شخص الى آخر وما اذا تعرض شخص للقبيلة رأسا قام الشخص الآخر ونطق بالأبيات الشعرية التي تفخر بها القبيلة ولنا عبرة بكتاب النقائض بين جرير والفرزدق ومن مسابات وشتائم ودفاع كل عن فرع قبيلته مدة اربعين سنة.

لنعد الى شاعرنا (دعسان بن حطاب) الشاعر الذي برز في القرن التاسع عشر فمن هو:

لا يخفى ان قبيلة مطبر كانت بارزة في الصمان وغيرها من المناطق في صحراء الجزيرة العربية وكان وقتها يتولى الزعامة فيها سلطان بن الحميدي الدويش وكان هذا الزعيم يعتمد على دعسان في الدفاع عن القبيلة بالكلمة.

ودعسان هذا لا يبتعد عن سلطان بن الحميدي الدويش بالقرابة حيث انهم ابناء عم ودعسان اسمه دعسان بن حطاب بن مظهور بن دعسان بن دغيم بن وطبان الدويش وبهذا اطلق عليه انه من فرع (دغيم).

ولد دعسان في سنة (1839) وبعد سنوات من عمره في الطفولة واول حياته وهو يستمع في مجالس بني قومه المدح والتقريض من الشعر النبطي الذي يلقى في حضرة زعيم القبيلة مما يقوله شعراء نجد الشويعر والهمذاني وغيرهما فأخذت هذه المشاعر الشعرية تدخل الى مسامعه وأخذ يتحسسها ومن ثم اخذ يقلد امثالها الى ان بزغ في عالم الشعر على مستوى قبيلته.

كان دعسان قد رزق بابن واحد وقد اصبح شاعرا مثل والده دعسان ومن ثم انقطعت ذريته لكن شعره الخالد ظل يحفظ في الصدور وبطون الكتب وعوضه هذا عن الذرية لكن لا ننسى ان لدعسان شقيقين اثنين هما كميخ ومطلق اللذين كتب الله ان يواصلا هذه الذرية ذرية آل خطاب دغيم الدويش والذين منهم في الكويت ابناء حطاب الكثير ويتولون مناصب في الدولة وغيرها ومنهم محامون وغيرهم.

لقد توفي دعسان في سنة (1909) بعد ان قضى سبعين سنة من عمره المديد وهو يذب ويدافع عن قبيلته كما كان غيره يدافع عنها بالسيف والرمح وهو باللسان والقلم.

المعلوم ان العلاقات بين القبائل في تلك الحقبة علاقات محبة ووئام وبعضها بغض وخصام كان راكان بن حثلين زعيم العجمان قد قال قصيدة وجهها الى سلطان الدويش زعيم مطبر وراكان بالاضافة الى زعامته القبلية على العجمان كانت له الزعامة الشعرية في قبيلته ويكفي قصيدته في قصر يرزان الذبن كان مقر آل الرشيد يقول راكان موجها كلامه الى سلطان الدويش.


يا راكب من عندنا فوق شقران
سواح مواج بعيد المضاحي

اسلم وسلم لي على الشيخ سلطان
زيزوم علوا مبعدين المناحي

يمشي وينشد عن منازل فنيسان
يبغي بداري قامة وانبطاحي

والدار حامينه نجيل وصبيان
اهل القنازع دافيين الملاحي

والعذر منك يا لصبي ابن درجان
ترنا فهقنا القول نبغا الصباحي

يا ليت كان اصبحت يا نسل وطبان
يصبح عليك من الهواشم سباحي

خليت عشب الصُلب يومي بالاردان
قفر تومي به هبوب الرياحي



وقد رد عليه شاعر الدوشان وابن الاسرة الدويشية دعسان يقول:



يا راكب من عندنا فوق ضبيان
مفتل الذرعان حر شناحي

كنه يباريله مع الجو شيطان
ما ينمسك لوك الرسن باللواحي

اسلم وسلم لي على الشيخ راكان
مبدل الصُلب الحمر بالألأحي

ثم أشنده وش صار علمه وش كان
هو ليه عن دار نزل فيه راحي

يا امير جيتو في ضعاين وسلفان
وجبت الامره معك يا بو فلاحي

وحنا فريقين على بيت سلطان
لا خذت مال ولا سهجت المراحي

والصلب لا يأكلك مثل ابن درجان
ويبقى فلاح وحيد ماله مشاحي

ولا بد من نمرا على وقت الاذان
ممليتن بأهل الغلب والرماحي

لا جالها مع خاطب القاع دندان
ثم اختلط عج الرمك والصياحي

مع دربها يلقى العشى الذيب سرحان
وجا للضباع العرج سرح ورواحي

عساك تسلم يا سلايل كحيلان
وجعلك تنجا يوم كثر الطياحي

ما تستوي للموت يا طير حوران
مير ان بعض القول ماله صحاحي

تشره على دار ولاها ابن وطبان
بخفر النمش ومذلقات الرماحي

محد عطاناه عطية وصفطان
الا بغارات هجاد وصباحي

ياما بغاها من قبايل وعربان
وعلوا على جرد السبايا تناحي

عنها نحو بالسيف غازي وطمعان
لين ابعد وعنها وساع النواحي

عندك خبر يا أمير ماني بغلطان
وترى كلام الظلم سم زحاحي



وكما يقال الوالد يتخطى بخطا والده فهذا برجس دعسان الحطاب الدويش يقول قصيدة في مدح نهار ابو صفرة ويعتبر برجس من المقلين في القصيد:



أبي اتمثل وابتصر وابدع القاف
وأبي اتمثل وابتصر في جوابي

ياراكبن من عندنا فوق موجاف
حمرن معلق وركها تقل بابي

مردوعتن مردوستن مالها اوصاف
عريضة الخدة كبيرة علابي

كنه يخطفها مع القاع خطاف
الى حال من دون الموارد سرابي

وركابها عند المعازيب ما ضاف
ولأعلق القربه ولأمن زهابي

وعسافها ضارن على الهجن عساف
ولأهاز خطوتها جميع الركابي

تشدي لربيعين الى ضعف الاطراف
وتاطأ على خفن سوات الربابي

تظهر على عدن يجي ورده ازراف
بالعون ورده ما هتني بالشرابي

تلفي على بيتن كبيرن له رفاف
متبينن بالنزل ما هو بغابي

ومجالسن زينات ودلالن انضاف
ونجرن ينادي للنشاما الغيابي

نهار حام اللي بقلبه تزناف
نهار حام اللي بقلبه رعابي

يأمر على ضين الشواري بالاتلاف
يشبع قطين الجو حتى الكلابي

ولا يذبح الا الفرق ما هي بالاضعاف
ولا يذبح الا من كبار العلابي

ويا لأبتي ما بيعهم بسبعة اسلاف
وان كان ذهبوا لابتي واذهابي

ويا ديرتي يا دار زينات الاشعاف
تنبت من النوار مثل الحصابي

ويا ديرتي تدفي عن البرد بلحاف
الى من غشى بيض النجوم السحابي

ويا ديرتي ما بيعها بمال رواف
اللي بنيراته يضيع الحسابي



وأخيرا فهذا شاعر من شعراء الصحراء العربية في الجزيرة العربية والكويت تسجل خواطره قبل نيف وخمسين سنة لقد ترك لنا ثروة لغوية هناك كثير من الالفاظ التي استعملها دعسان في شعره ربما لم تعد تستعمل اليوم وكثير من هذه الكلمات تحتاج الى شرح وايضاح لكنها كلمات عربية صحيحة.


لهذا أحببنا ان نسجل لشاعر من العروبة صال وجال في مجال الكلمة والادب وهنا يحق لنا ان نحيي ذكراه ليتعرف عليه الجيل الصاعد الذي ابتدأ يبتعد عن تاريخه وعن ماضيه الفياض الذي كان مملوءا بكثير من التاريخ.