إنه لمحزن بأن نرى كتاب القبيلة وكيفما يعاملون بقسوة وبهجائية تحتم عليهم وعلى متذوقيهم وبالأخص متعلميهم بأن يهاجروا ويهجًروا إلى مواقع القبائل الأخرى أو إلى البواطن الأصلية للفكر والأدب , إنه لشيء يبعث الأسى بالنفوس والقلوب ونحن نرى كتاب القبيلة يهاجمون أشد مهاجمه وكيفما اشتد حصار الأقوام المنغلقة تحت شعارات الجاهلية النتنة حيثُ ضيقت عليهم في كل مكان مما حتم عليهم الانتقال إلى موطئ بر الأمان موطئ فيه حرية الفكر وحرية الطرح وحرية يراها المقابل ببعد نظر لابحقد وقهر , موطئ تتنوع بها الأفكار وتتشعب بها العقول وتذوب سكا كرها داخل تلك الجفول , ألا إن الفكر قد زال وذهب بعيدا بعيدا عن صروح لاتعرف سوى الترصد واللحوح تحت وطئ العويل وصوتا من أصوات البخيل ينادي ويعوي ويبني جدر التخلف والرجوع إلى عصر الخيم وشرب شراب البهيم من بئرٍ عبوس به ماء قليل لايشربه إلا النحيل عظامه هشة ومشيته قشة وملبسة قطعا من جلد نعامه مرقعا برقع العمامة أسفله قبيح وأعلاه شحيح , كنا قبل سنين نلتقي المفكرين ونرتوي بمقالات المحدثين ونناقش مواضيع الساخرين فالتنوع لابد منه ولكن أغلق المتلقي على نفسه الباب وبنا فكره على جاهلية الحروب وغزوة الأجداد فنحن لازلنا نفتخر بقتل فلان عند الغدير وسرقة جمال ذلك المعتوه الشرير وتطليق فلانة غصبا وكرها من بعلها الخائب الصغير .
فمع حلول المفكرين من القبيلة في صروحنا المنتشرة بين الأودية والشعاب مبتسمين بابتسامة مشرقة في محياها حسنُ النية وفي داخلها بعض من الانفتاحية تظهر على الجهة المقابلة وجوها يعلوها السواد ويشوبها الضد وفكرا لينادي به سوى الضلال كأمثال عنترة ابنُ شداد.
آثر الجمعُ على الرحيل والانتقال إلى بعض المناطق الرطبة الآمنة تحفظ للغريب كتبه وتصلح ماأفسده القريب وشجبه .
فجميع صروح القبيلة جُل اعتمادها على الشعر والشعراء وعلى مزائن الإبل الحمراء وعلى إسراف الأموال وترك الفقراء , فالهوية أصبحت على بُعر وبعيره وعلى تيسٍ وصغيرة وعلى نجدية لايحلوا ذكرها إلا عند الكرنفالات التعيسة التي تبدأ بجاهلية وتنتهي بعرضه اسمعها تحت تلك المخطوطات وبعض الكتب وقليلا من الوريقات .
اعذروني على الحدة في الطرح فقد بلغ السيل الزبا فقد حان التوقف عن كتابة أفكارنا الخاصة في ظل وطئ التخلف وأهله إلى أن ينظر الواعين إلى أمرنا هذا.