وبين الشعر في أعراف قومي ** وبين شعيرهم : ياء ، وكسر !
وإن يغلى الشعير بأرض قومي ** فللشعراء في الحالين خسر
**********
حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت وهو رب العرش الكريم .. !
تجمع الإنسانية على بغض الكذب والنفاق والخداع ، وتتفق كل الشرائع والأعراف ،
على ذم التصنع والإدعاء والكذب ، ولاشك أن هذا ليس بغريب في صفحات الكتب ،
أو على أطراف الألسنة ، أو مع ما يلاك من لفظ متفهيق .. !
لكنه مع الأسف غريب في الواقع ، نادر ، عزيز ، وربما يلام الصادق الواضح على صدقه ،
ويبجل الكاذب المنافق المتملص على كذبه ، و " وحسن " نفاقه ..
وكأن القوم كل القوم أتفقوا يوما ما ، على أن يلعنوا الظلام ، ويطفئوا كل الشموع !
وربما يكون العقاد محقا حينما قال :
لا تعجبنْ لعيب ** واعجب لفضل ونبل
نقص الطبائع أصل ** والفضل ليس بأصل !
والله إنني لأعجب أشد العجب من هذه الأوجه والأقنعة الزائفة التي ترتدى في كل مناسبة ،
وحين أقارن بينما أسمع من إدعاء للفضيلة ، وبينما أعلم من انتهاك لها وطعن فيها ..
يزداد عجبي أكثر وأكثر ..
تذكرني هذه الأقنعة المزيفة بقصص " القدوات الكبار " لاعبي الكرة ،
الذي فاحت رائحة " أخلاقهم " السامية ، والتي يصمت عنها المجتمع كله ،
على الرغم من أنها صادرة من " أقرب " الناس إلى أبنائنا وأطفالنا .. !
ومما أحزنني حول هذه القدوات التي يجب أن تحطم ، حينما رأيت أحد من أقدر وأجل ،
وهو يحمل صورة لأخيه الصغير مع لاعب لايحمل مما " نعرف " من الحسن إلا قدمين
يدفع بها هذه المدحرجة !
ألسنا جميعا نسمع بجرائم هؤلاء وآخرهم " الأخ الكريم " صاحب الشقة
المليئة بالخمور والملابس النسائية ، ومع هذا صمت مطبق لأن هؤلاء
يمثلون " الوطن " في المحافل الدولية !
.. بكل وضوح ،
مجتمعنا يعاني من إزدواجية مقيتة حمقاء، فالكثير منا يلعن الكذب ،وهو أكذب من ذلك الراعي
المشهور ، ويلعن النميمة وهو أنم من جميل بن معمر ،ويدعي الإيثار والكرم ، وهو أشد
طمعا وأقل سخاء من أشعب ، وألسن تردد لحون العفة ، وخلفها قلوب مترعات بالخنا والفجور !
ليس هذا فحسب ، بل إننا جميعا نشترك في كثير من المصائب التي تحدث ،
بصمتنا ومجاملاتنا ، وقل إن شئت نفاقنا الأحمق .. أعني بهذا أن الجار ، والمدرس ،
وخطيب الجامع ، ورجل الأمن ، وأفراد المباحث ، كلهم يعملون بصاحب جريمة معينة ،
ومع ذلك .. الكل صامت ، إلا من لعنات تنطلق نحو هذا المجرم في مجالسنا الخاصة !
وكأننا ننتظر مناديا من السماء أو صاعقة تقصف هذا المجرم في قعر داره ..
الذي قادنا للسطور السابقة ، أننا جميعا نلعن الكذب والنفاق والكلام الفاحش
وربما يقود هذا الخلق الفاضل ، أحد أبائنا الكرام فيصفع ابنه لأن وصف أخاه بكلمة
بذئية أو أقل من ذلك .. ولا نعيب هذا حينما نسمعه من شعرائنا على روؤس الأشهاد !
بل ويبقى هؤلاء أصحاب هذا الكلام البذيء " المعلن ، والمصرح " به ، نجوما في سماوات
كثير من جهلتنا وسفهائنا ..
وأعجب - أشد العجب - بعد هذا حين تلقى أحد أدعياء الفضيلة هؤلاء ،
يردد كلاما يظن من يسمعه أن هذا من أولى الأولياء ، وأصدق الأتقياء ،
وأعلم ُ - كما تعلمون - ويخفي الكثير منا ، كم تحمل مجالس هؤلاء من فحش ،
وبذاءة وقبح ، التي أسرع ما تتحول إلى فضيلة يمتطيها أولئك متى ما أرادوا !
لا أنسى ذلك الذي يقول أنه حضر مع أبيه قبل سنوات لمجلس من مجالس نجومنا " البراقة " !
فسمع كلاما يخجل منه الحطيئة ، وامرؤ القيس ، من أناس يراهم البعض اليوم
علامات يهتدى بها ، لا مجرد ثقوب سوداء في سمائنا الفسيحة !
ومن العجيب في الأمر أن البوصيري - صاحب قصيدة البردة - ، الذي يصفه
الصوفية الجهلاء بالإمام العلامة المجتهد شيخ عصره وصاحب زمانه ، صاحب الكرامات ،
وحامل البركات ... إلخ من صفات الكمال التي ربما لم يوصف بها النبيون !
كان هذا " الفاسق " يتهم زوجته بالزنا في بعض قصائده ، ويتمنى لو أنه لم يتزوج ، و " حصن " نفسه بدلا من ذلك " بالغلمان " ، كما يفعل بعض الذين " عرفهم " كما يقول :
أو ليتني بعض الذين عرفتهم ** ممن يحصن نفسه بغلام ِ !
أرجو ألا يفهم كلامي هذا على أنه تعميم ٌ مجحف ،
لكنني أعتقد أن سيول الكذب قد بلغت الزبى والربى !
وإلم نكن كاذبين ونعاقب الأطفال عليه ، فلماذا الرضى بالكذب الذي يمارسه
" الشيوخ " !
أخيرا :
أحدهم ممن يبالغ في تقدير هذه النوعيات من الناس ،
بعد أن عرض علي أحدهم " دعوة " لعشاء ربما يوصف بكل الأوصاف إلى أن يكون " كرما " !
وبعد أن رفض ذلك " العظيم " هذه الدعوة ، قلت له :
اسألك بالله تشوفه يستحق ؟
قال : لا والله .. !
قلت في نفسي :
ولا دجاجة !
..
ومضة :
ربما نختصر كثيرا من كلماتنا حينما نعلم أن بين الشعر ، والشعير : حرف واحد !