ديفيد هال - - 16/06/1429هـ
أحدث بن برنانكي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، انتعاشا وجيزا للدولار، بتعبيره عن القلق من أن يؤدي سعر الصرف المنخفض إلى دعم التضخم. وبرنانكي على حق في أن يكون قلقاً إزاء الدولار الضعيف، لأنه جزء من نمط أكبر لتطورات الأسعار يمكن أن يحدد أيضاً دوره شخصياً في التاريخ النقدي للولايات المتحدة. ويبدو من المحتمل أن يتم تذكره باعتباره أول رئيس للاحتياطي الفيدرالي يتولى القيادة في مرحلة ركود دون أي تراجع متزامن في أسعار السلع. وبدلاً من ذلك، ارتفعت الأسعار إلى مستويات قياسية منذ أن بدأ الاقتصاد الأمريكي التباطؤ بشكل حاد في العام الماضي.
السبب الرئيسي في كون أسعار السلع مرنة للغاية هو التركيبة المتغيرة للإنتاج العالمي. فالبلدان النامية أصبحت قائدة النمو المهيمن في العالم على مر السنوات الخمس الماضية، وارتفعت حصتها من الموارد العالمية بشكل حاد. وشكلت أكثر من 59 في المائة من استهلاك النحاس عام 2007 مقارنة بـ 36 في المائة عام 1998. وكانت حصتها من استهلاك الزنك 63 في المائة، مقابل 43 في المائة عام 1998. أما حصتها من استهلاك الألمنيوم فكانت 58 في المائة، مقابل 34 في المائة عام 1998.
قائدة النمو الرئيسي في استهلاك المعادن هي الصين. فمنذ عام 1998، ازداد استهلاكها من النحاس إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، في حين ارتفع استهلاكها من الألمنيوم إلى أكثر من خمسة أضعاف. لكن الصين لم تكن الوحيدة، إذ ازداد استهلاك روسيا من النحاس إلى أربعة أضعاف، ومن الألمنيوم إلى الضعفين في الفترة ذاتها. كذلك تضاعف استهلاك الهند من المعدنين.
وينسب بعض النقاد هذا الارتفاع في أسعار السلع أيضا إلى تأثير التخفيضات التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة، وإلى قيمة الدولار، والمضاربة في السلع. وكان هناك تدفق كبير من الأموال المؤسسية باتجاه مؤشر صناديق السلع خلال السنوات القليلة الماضية. وتنظر وول ستريت حالياً إلى السلع وكأنها فئة أصول جديدة بالنسبة للمستثمرين. ولا يوجد أدنى شك في أن حصة مؤشر الصناديق، وصناديق التحوط، من التداول في السلع ازدادت بشكل حاد. لكن كانت هناك أيضاً زيادات أسعار كبيرة بالنسبة للسلع دون أية عقود آجلة، مثل الحديد الخام، والفحم، والبوتاس، وبذلك لا توجد أية طريقة لقياس التأثير الدقيق للمضاربات.
وتجاهل الاحتياطي الفيدرالي حتى الآن تأثير سياسته النقدية على أسعار السلع لأن أولويته القصوى هي استقرار النظام المالي الأمريكي. وانخفضت أسعار البيوت بنحو 16 في المائة منذ عام 2006، وسرعان ما ستكون القروض على منازل نحو 15 مليون أمريكي أكثر من قيمة تلك البيوت التي يمتلكونها. ويتجاوز حالياً معدل البيوت الفارغة التي بنيت بعد عام 2000 نسبة 8 في المائة، ويمكن أن ترتفع النسبة أكثر عندما ينزلق عدد أكبر من مالكي البيوت إلى حد العجز عن السداد. وشطب المجتمع المالي 350 مليار دولار من القروض لضعاف الملاءة خلال الأشهر الستة الماضية. ويمكن أن تخسر البنوك الأمريكية نحو 300 مليار دولار أخرى تتعلق بالقروض العقارية خلال العام المقبل. ومثل تلك الخسائر الكبيرة يمكن أن تعرض الميزانيات العمومية للبنوك إلى الخطر، إذ يملك النظام المصرفي الأمريكي 1350 مليار دولار فقط من رأس المال على شكل أسهم. وبدأت بعض البنوك إعادة رسملة، لكن بحسومات تراوح بين 30 و40 في المائة من أسعار أسهمها الحالية.
هناك نحو 6700 بنكاً تملك أقل من مليار دولار من الأصول، وأكثر من ثلثي أمواله في القروض العقارية. وخلال الدورة العقارية بين الأعوام 1988 و1992، أخفق أكثر من ألف بنك، وألف بنك ادخار. وثمة احتمال لأن تخفق عدة مئات من البنوك أيضاً خلال العام المقبل، ما لم يحصل تعافٍ مفاجئ في أسعار البيوت. وأصبح نطاق الأزمة في النظام المالي الأمريكي أكبر بكثير من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على حلها منفرداً. فهو يحتاج إلى المساعدة من جانب البيت الأبيض والكونجرس.
ويناقش الكونجرس تشريعاً لتقديم 300 مليار دولار من ضمانات تأمين إدارة الإسكان الاتحادية إلى القروض العقارية، بعد أن خفضت البنوك قيمة القروض إلى مستوى قيمتها عند حبس الرهن. ومثل تلك الضمانات يمكن أن تساعد في منع نحو 1.5 مليون من الرهونات العقارية من أن تصبح عاجزة عن السداد. وربما تحسن عملية الإنقاذ أيضا قروض الرهونات العقارية لضعاف الملاءة التي يتم تداولها الآن بحسومات أكبر من القيمة الاسمية. ولن تستطيع واشنطن إنقاذ البنوك الاستثمارية دون مساعدة مقترضي الرهونات العقارية المتعثرين.
لم يعد باستطاعة الاحتياطي الفيدرالي أن يتحمل كامل عبء احتواء التدهور في قطاع الإسكان. فالتراجع في قيمة الدولار والارتفاع في أسعار السلع يمثلان تهديداً سريعاً لدخل المستهلك. وعلى البيت الأبيض والكونجرس التدخل لفرض سياسات جديدة تمنع المزيد من الارتفاع في العجز عن السداد، والخسائر في القروض. وإذا لم يتصرف الطرفان، فربما ينبغي عليهما التفكير سريعاً بتشريع يُلزم الحكومة بالمساعدة على إعادة رسملة النظام المصرفي الأمريكي بأموال عامة للمرة الأولى منذ الثلاثينيات. وإذا كان الكونجرس لا يريد أن يجبر على إنقاذ البنوك الأمريكية في 2009، فعليه أن يجعل سوق الإسكان مستقرة في 2008، فالدولار يتعافي عندما يتعافى قطاع الإسكان فقط.
المصدر
http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=131519
أبن مصاول