عرض مشاركة واحدة
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 1 )

....
رقم العضوية : 5100
تاريخ التسجيل : 10 01 2009
الدولة : أنثى
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة : أرض من ملكني حبه
عدد المشاركات : 10,490 [+]
آخر تواجد : 28 - 08 - 12 [+]
عدد النقاط : 47
قوة الترشيح : نزف المشاعر is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي الجامعة العربية ومأوى العجزة

كُتب : [ 18 - 06 - 11 - 02:13 AM ]

الجامعة العربية ومأوى العجزة

أظن أن الجامعة العربية طيّب الله ذكرها، قد هرمت، وشابت، وأصابها الخرف، وسقطت أسنانها، وشاخت أوتارها الصوتية.. طبعاً هناك من يرى أن هذه الجامعة، ولدت شبه معاقة، وكانت تتحرك بإعاقة شديدة، فلم تكن في يوم من الأيام قادرة بأن تمشي على قدميها كي تنظم السير في الشوارع العربية المكتظة بزحام، المشكلات، والخصومات، والصرعات، ودعونا نقلْ بصدق وصراحة، إن رؤيتنا لهذه الجامعة في تكوينها وسيرة أدائها وفي شخصيتها أنها تفرق وتشتت، أكثر مما تجمع وتؤلف..!! ومع ازدياد شيخوختها فقد أصابها، الطرش، والخرس، والعمى الليلي، والغشاوة البصرية في النهار، فازدادت حالتها سوءاً إلى سوء.
وكنا فيما مضى نقول يكفينا منها اسمها: «جامعة الدول العربية» فنعتبرها كجدة عمياء مقعدة فنقول لدينا «جدة»!! ويكفينا أيضاً منها وجودها على أرض المحروسة مطلة على نهرها الخالد العظيم للتذكير بأن هناك عرباً، وأنهم يجتمعون ما بين الحين والحين..
غير أن بعض المتشائمين كانوا يرون في وجودها تكريساً للانقسام وعدم التكفير في الوحدة، وذلك من خلال تأكيدها انفصام كل قُطر بذاته، وكانت أشبه شيء «بصخرة السّباب» التي كانت موجودة في مكة المكرمة في الجاهلية حيث تجتمع بعض القبائل على هذه الصخرة بعد موسم الحج فتتشاتم ثم تتحارب فيما بعد إلى أن جاء الإسلام فألغى الصخرة وعادتها الذميمة.
* * *
ومهما يكن فإن سيرة الجامعة العربية لم تكن سيرة حميدة في عمومها.. فإن قيل إن في هذه السيرة جبرَ خواطر، وبوس لحى وخشوم أحياناً فإن في سيرتها سلسلة من الأحداث، والمواقف المؤذية بل والمخجلة، كنا نرى فيها مسْخرات القذافي وصراخ بعض المعتوهين، ونرى التحاذف بالكلمات النابية، والصحون الطائرة.. وكنا نقول عن هذه الجامعة ذات التاريخ العريق في المهارشات و«المهاوشات» واللاءات والتلاكم بالكلمات، يا ليتها بدلاً من ذلك كله، أخذت على عاتقها أمور الثقافة، فكثفت جهودها لترسيخ أواصرها في الوطن العربي، وتحدثت عن المناهج الدراسية والتربوية وعن المجاعات، والأمراض التي تفتك بالأطفال، وأمراض الأمية التي تفتك بالعالم العربي، ليت أنها ركزت على ثقافة العمل والصناعة، واستغلال اليد العاملة، فكثفت جهودها ووظفت طاقاتها، وملفاتها، ومؤتمراتها على هذه الجوانب، ليت أنها اتجهت هذا التوجه، وتخلت عن مؤتمرات القمم التي تدور فيها معارك التحرير، والعودة إلى الأوطان السليبة مع أنها منذ ولادتها إلى هذه اللحظة لم تستطع أن تعيد حبة رمل واحدة إلى مكانها ولا ريشة عصفور إلى عشها.
* * *
العالم العربي اليوم يغلي غليان المرجل، دماء الشباب العربي على الأرصفة والساحات، ومفارق الطرق، والجامعة العربية أيدها الله.. تتحلى بالحكمة، والتروي، والتؤدة.. كما تتمتع بالصبر والصمت، فلا تجزع، ولا تذرف دمعاً، ولا تظهر جزعاً لأولئك الضحايا الأبرياء من أبناء الأمة، وتكتفي بدلاً عن ذلك كله بفضيلة التفرج..!! فمن المؤكد أن العاملين بها إذا أصابهم السأم والكسل، والملل بسبب الجلوس الطويل المزمن على كراسيهم المزمنة، فإنهم وللترويح، وتخفيف السأم يجلسون أمام شاشات التلفزيون داخل مكاتبهم يمتّعون أسماعهم، وأبصارهم، بدماء الأطفال، وأصوات الرصاص المنهمر على صدورهم..
* * *
عجباً لأمر هذه الجامعة التي لا تهتز شعرة في بدنها بسبب ما يحدث.. وكأن ما يدور في العالم العربي يدور في كوكب آخر تقطنه الهوام، والدواب، والعفاريت.. لم نكن نتمنى على الجامعة شيئاً معجزاً فنحن لا نطلب إليها أن تتدخل في الأمور السياسية لأي بلد ولكن كنا نتمنى لو أنها عملت على تشكيل لجان صحية لتوفير الدواء والدم للجرحى والمصابين، أو بناء المخيمات للمشردين النازحين الذين أُخرجوا من بيوتهم، أو أنها أطلقت بعض الأناشيد التي تحثهم على الصبر والتحمل!! ولكنها رغم بساطة هذه الأشياء، وسذاجتها لم تفعل.. بسبب عجزها وما تعانيه من إعاقة وكساح.. فهي تتآكل وتموت موتاً بطيئاً يوماً بعد يوم، تموت في ذاكرة الأمة السياسية، كما أنها تموت في ذاكرة الناس ووجدانهم.. وأنا متأكد من أن ثمانين في المائة من أطفال العالم العربي، لا يسمعون بذكر هذه الجامعة، ولا يعرفون موقعها ولا دورها..!! أقول: إذا كان أمر هذه الجامعة كذلك، فهي قد تعدت سن اليأس منذ سنين وكانت في الأصل عاقراً، ولم تنتج إلا العقم، والتمزق.. وإذا كانت قد تهرمت، وتساقطت أسنانها ولم تعد قادرة حتى على لوك الكلام.. فأولى لها أن تحمل على محفة، أو سيارة إسعاف عاجلة إلى مأوى العجزة، لتستريح هناك، أو تموت في دعة وصمت..




مما قرأتـــــ





رد مع اقتباس