عرض مشاركة واحدة
غير متواجد حالياً
 رقم المشاركة : ( 1 )
متواجد
رقم العضوية : 615
تاريخ التسجيل : 19 09 2007
الدولة :
العمر :
الجنس :
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 385 [+]
آخر تواجد : 20 - 04 - 10 [+]
عدد النقاط : 10
قوة الترشيح : الصيرمي is on a distinguished road
الأوسمـة
بيانات الإتصال
آخر المواضيع

التوقيت
افتراضي المدارس لاتنتج عبقرياً ..!!

كُتب : [ 27 - 02 - 08 - 11:07 AM ]

المشكلات التي لازمت التعليم النظامي عالمياً لاتزال محيّرة، سواء كان ذلك المنهج في «أوروبا» مصدر فكرة التعليم الحديث، أو في ال"عالم العربي" الذي تلقّف الفكرة واعتمدها، وربما كان «الصادق النيهوم» الكاتب الليبي المتوفى عام 1996 من أهم الذين ناقشوا تلك الفكرة -فكرة التعليم النظامي الجماعي الحديث- وذلك في دراسةٍ له نشرها على (19) حلقة في عام 1966 ونشرت مؤخراً ضمن دراسات أخرى له في كتابه (الحديث عن المرأة والديانات(.

وما أعادني إلى طرح هذا السؤال الآن هذه الحمّى الإعلانية التي تمارسها بعض المدارس الأهلية عبر دعايتها لنفسها من خلال توظيف بعض الأسماء العظيمة في تاريخ العلوم الإنسانية من المخترعين للنظريات والتقنيات، من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن في «متجر التعليم» الذي لا يختلف عن أي مدرسة أخرى إلا بالأمور الهامشية أما خرائط تركيب الذهن بإيجابياتها وسلبياتها فهي متشابهة ومتقاربة.

"ماذا استفدنا من التعليم"؟ هذا السؤال يخرق (الصمت) المريب الذي نمارسه مع أدواتنا التعليمية، ويحاول الكشف عن المسكوتات التي تسكن (أجهزة التعليم) بكافة مستوياتها، خاصةً ونحن نرى التهافت المؤسف من قبل الباحثين الذين لديهم ارتباطاتهم بمؤسسات التعليم، يجنحون بالأسئلة عن (موضع الجرح) فيتهامسون حول قضايا جانبية لا تضيف شيئاً، و"التعليم" كأي تجربةٍ أخرى من المهم أن تخضع للفحص والمراجعة، من جهات متعددة، ليس على المستوى العلمي النظري فحسب، بل وفي موقع «المسؤولية» التي يتحملها التعليم من التدهور الشامل الذي نشهده حالياً، من إفراز دائم لتخصصات انتهى عصرها. وحول تلك التجربة التعليمية بخطوطها العريضة أكتب الهوامش التالية:

-غرس الملكة الذهنية، وإحياء العقل أهم مايمكن للتعليم فعله، بدل التشويه الذي يمارسه البعض للعلوم، وإذا كانت بعض المدارس تزعم أنها تخرّج عباقرة من أمثال نيوتن، فإن نيوتن الذي توفي سنة 1727 لم يكتف بما تقدمه المدرسة، ذلك أنه التحق بكلية (ترينيتي) في (كيمبريدج) وهي معروفة باتباع (منهج أرسطو) الفلسفي إلا أن هذا لم يمنعه من الاطلاع على فلاسفة عصره من أمثال: ديكارت، وغاليلو، كوبرنيكوس، وكيبلر، وهذا ما جعل من جذوة عقله مضطرمة بلهب البحث لا تهدأ تبحث في سبيل مقاربة الأجوبة لأسئلة مؤرقة، ما هو الموقع الذي يحتله العقل في مدارسنا ومحاضن تعليمنا، خاصةً وأن الأوتار التي تعزف عليها أصابع التعليم المتخشّبة متشاكلة، أياً كانت جهة التعليم. فالمباني والطباشيرلا تصنع «عقلاً» بل ربما ساهمت في قطع عروق الأسئلة في الطالب عبر النرجسية التي يعاني منها بعض المعلمين فضلاً عن المسؤولين عن التعليم، فالديكتاتورية في تلقين المعلومة بكل عمائها لا تنتج إلا أجواء مأزومة. ويضيع «التلميذ» بين تلك الطواحين النفسية الداخلية والخارجية وكأنه أصبح فجأة «حلبة صراع» ونقطة كسب، وأداة داخل معركة لتصفية للحسابات.

-ليست المشكلة في «المناهج» والتي يجب أن تتجدد دوماً، لأن المعارف يومياً تفرز استدراكات على «النظريات» وإضافات على «القوانين» وشروحات على «المعادلات» ونظائر «للكلمات» بينما تظلّ مناهجنا محروسة بهراوة الخوف من «المستجدّ» من العلوم، وتقام لجان نائمة تأخذ بالعقد الواحد نصف قرار، ولا أدري هل سيظلّ الكوكب(سابقاً) بلوتو الذي طرد مؤخراً من (المجموعة) يدرّس إلى حقب قادمة، خاصةً وأن بعض المناهج في التاريخ والجغرافيا بقيت سنواتٍ تدرّس (الاتحاد السوفيتي) (واليمن الجنوبي-واليمن الشمالي) حتى بعد سقوطهما بسنوات!

مهمة التعليم والمناهج أن (تغيّر-وتضيف) للتلميذ، أما إذا أردنا تعلماً بلا تغيير فلنجلس نحن وأبناؤنا في «البيوت» حتى يأتينا الموت أو يأتي أمر الله، «التعلم» هو اكتشاف لصورة العالم من حولنا، ولعمق الطبيعة التي نسكنها، وللإنسان الذي نعيشه، وإذا اعتقدنا أن هذه المهام من المهام الخطرة التي تشوّش على «عقل الطالب» فلا فائدة من التعليم إذن.مشكلة التعليم (تتجلى) في المناهج، ولا تنتهي عندها، ففي نظري أن مراجعة التعليم تبدأ من (المعلم) أيضاً بصفته (شارح المنهج) وأحياناً هو المنهج الحقيقي. فلا أزال أذكر ذلك المعلّم الذي أرغمنا على «تعديل» الكثير من (كتاب المطالعة) وعبارات الكتاب، وفقاً لانتمائه (الأيديولوجي) و (السياسي) هنا يتحوّل المعلم إلى (منهج حقيقي) بدلاً من (الكتاب) فلا فائدة من صبغ (الثمرة) مادام الجذر معطوباً.

-حينما ننتقد مؤسسات «التعليم» فإننا لا نطالبها بأكبر من دورها، بل نطالبها بتخفيف النرجسية التي تعيشها، وأن تنصت للنقد وأن لا تترفع علينا وتطرح نفسها على أنها (ماكينا) تنتج في الصباح مخترعاً، وفي المساء فيلسوفاً، «المدرسة» مهمتها تتميم مهمة «التلميذ» في الحياة، لأن «المدرسة الأولى» هي (المُشاهدة) البريئة التي يمارسها الإنسان منذ الصغر وتنمو معه، وبكل أسى فإن «التعليم» أصبح عنصراً ضاراً عبر اغتيال ملكة (المشاهدة) والتعبير العفوي وذلك عبر السلطات السافرة على (العقل) والسؤال، مهمة «المدرسة» تعليم التلميذ مكامن إبداعه وإرشاده إلى الكتب التي تمسّ جانب اهتمامه وتهيئة عقله لتنشيط مركز أسئلته، ليست مهمة المدرسة تعليم الطالب أن (عاصمة إيران هي طهران، ولا أن الشاي أسود، ولا أن محصول البن رئيسي في اليمن) بل تمتين علاقة الطالب بأسئلته، واكتشاف مكامن إبداعه.

وبكلٍ هل جاءنا التعليم فجأة ففصل بين جيلٍ وجيل، خاصةً ونحن نرى بعض المسنين الذين نكنّ لهم كل الاحترام يحاولون إخضاعنا-بكل جهدهم- لطريقة تفكيرهم، هل هي قضية (جيل) يحكم الجيل الآخر أو يحاول التحكم به كما يقول الفيلسوف (راسل)؟ وما موقع التعليم من الحياة؟ أسئلة سأطرح مقاربتها في المقالة التالية.

رد مع اقتباس