بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فزواج الأقارب لم يرد به نهي صريح في الإسلام، ولا حث عليه، فهو متروك لاختيار الناس ما هو أنسب لهم، ولعل هذا النهج يؤكد ما توصل إليه الطب الحديث في هذا الموضوع، وهو أن زواج الأقارب ليس ضارا على طول الخط، فقد يكون نافعا ، في حالة ارتفاع نسبة الذكاء والجمال والقوة في العائلة، وبالتي فالقول بأن زواج الأقارب كله ضرر ، مع كون الإسلام أباحه ، كلام تعوزه الصحة العلمية.
ولعل من المناسب إيراد رأي الأطباء في هذه المسألة ، يقول الدكتور أحمد شوقي إبراهيم استشاري الأمراض الباطنية، و الطبيب المصري الشهير:
إذا نظر أي عالم نظرة متأنية في أبعاد هذا الموضوع؛ لوجد أن القول " بأن زواج الأقارب يعطي الفرصة لزيادة الأمراض الوراثية في الذرية " ليس قولا صحيحا في كل الأحوال .. قد يكون صحيحا في حالات معينة .. ولكنه ليس صحيحا في كل الحالات ، وبالتالي لا ينبغي أن يكون قانونا عاما أو قاعدة عامة ..
وهناك بعض الحقائق الأساسية في هذا الموضوع : -
1- زيادة نسبة ظهور الأمراض الوراثية في الذرية الناتجة من العوامل الوراثية المتنحية من كلا الأبوين .. ليست معتمدة على زواج الأقارب في كل الأحوال ولكنها تعتمد أساسا على مدى انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحي بين أفراد المجتمع ككل .
2- فإذا كان منتشرا بنسبة أكثر من 1 : 8 في المجتمع؛ فإن زواج الأباعد لا يكون ضمانا لإنجاب أصحاء وراثيا .
نفهم من ذلك أن ظهور بعض الأمراض الوراثية في الذرية في المجتمعات التي تنتشر بين أفرادها العوامل الوراثية المرضية المتنحية انتشارا نحو 1 :8 تتساوى نسبة ظهورها في الذرية في زواج الأقارب وزواج الأباعد على سواء .
وهناك فرض آخر إذا كانت نسبة انتشار العامل الوراثي المرضي المتنحي في المجتمع أكثر من 12 % وكانت أسرة في هذا المجتمع نقية وراثيا في هذه الحالة فإن الزواج بين الأقارب في هذه الأسرة أفضل كثيرا وأكثر ضمانا من زواج الأباعد .
ومن أمثلة تلك الأمراض - مرض الأنيميا المنجلية :-
إذا كان العامل الوراثي المتنحي منحصرا في أفراد أسرة معينة أكثر مما هو في أفراد المجتمع من حولهم فإن زواج الأباعد يكون أفضل من زواج الأقارب .. أما إذا كان العكس هو الصحيح وكان أفراد الأسرة أنقياء وراثيا وأفراد المجتمع من حولهم ينتشر فيهم العامل الوراثي المتنحي، ففي هذه الحالة يكون زواج الأقارب أكثر ضمانا وأمنا من زواج الأباعد، فمثلا في بعض مناطق إيطاليا وصقلية يوجد العامل الوراثي المتنحي لمرض الأنيميا المنجلية منتشرا في أفراد المجتمع بنسبة تصل 10% والنسبة أعلى في مجتمعات أخرى مثل بعض مناطق كينيا حيث تصل النسبة إلى 40% في أفراد المجتمع ، فإذا افترضنا أن أسرة هاجرت إلي هناك وكان أفرادها أنقياء وراثيا من هذا العامل الوراثي .. أفلا يكون زواج الأقارب أفضل من زواج الأباعد ؟ .
و لا يجوز أن ننسى أن زواج الأقارب له جوانب إيجابية :
أ - إذا كان بالأسرة عوامل وراثية مرغوبة ليست في غيرها من الأسر مثل صفات الجمال والذكاء والقوة .. أو طول العمر وغيرها ، حينئذ يكون زواج الأقارب أفضل من زواج الأباعد، شريطة ألا يستمر الزواج بين الأقارب جيلا حتى لا تتحول الأسر إلى مجتمعات صغيرة مغلقة، وهو ماثبت وراثيا أنه مضر .
وهكذا تتساوى الاحتمالات فى زواج الأقارب والأباعد في هذه الحالات وسواء كان هذا أو ذاك فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتخير إذ قال " تخيروا لنطفكم " والتخير في عصرنا الحاضر أساسه الاستشارة الوراثية .
و الجانب الإيجابي الأخر فى زواج الأقارب هو عدم التضحية بجيل من أجل جيل آخر، ولشرح هذه النقطة نفترض أن في مجتمع ما صار الزواج بين أقرباء فقط فى هذه الحالة نجد أن نسبة تواجد الجينات المرضية في هذا المجتمع ستزداد في ذرية هذا الجيل نتيجة عدم التخلص من هذه الجينات المرضية ، اذ أن التقاءها في حالة مزدوجة أو نادر الحدوث .
والنتيجة أنه بمرور الأجيال سترتفع نسبة تواجد هذه الجينات المرضية في المجتمع، وهذا يؤدي إلى زيادة مطردة في ظهور الأمراض الوراثية المحكومة بهذه الجينات في الأجيال القادمة مثل مرض تليف البنكرياس.
نخرج من هذا بنتيجة هامة، وهي أن زواج الأقارب قد يضحي بالجيل الحاضر من أجل الأجيال القادمة ، و زواج الأباعد قد يضحى بالأجيال القادمة من أجل الجيل الحاضر وهكذا نجد في النهاية حتى فى الأمراض المحكومة بجينات متنحية لا تفضيل لزواج الأقارب على زواج الأباعد ولا لزواج الأباعد على زواج الأقارب .
و الاحتمال العلمي لنقل القلة من الأمراض الوراثية الناتجة من جينات متنحية عن طريق زواج الأقارب يقع في حالة واحدة ، وهى أن يكون أفراد المجتمع أنقياء وراثيا وأفراد الأسرة غير أنقياء وراثيا .( نقلا بتصرف عن :
http://www.islamset.com/arabic/ahip/sawke.html )
يقول الدكتور محمد سعيد حوى أستاذ الشريعة بالجامعات الأردنية في سؤال سابق :
أما زواج الأقارب، فلا يوجد إطلاقا نص صحيح ينهى عن ذلك، وحديث "غربوا النكاح" لا يصح، وقد تزوج النبي -عليه الصلاة والسلام- من ابنة عمته زينب، والآية القرآن صريحة: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك..." (الأحزاب: 50)، وبينت سورة النساء الآية 23-24 المحرمات حصرا؛ فما عدا ذلك من الأقارب فهو جائز قطعا، وهذا لا يمنع أن يفضل التقليل من زواج الأقارب حفظا على اتساع العلاقات والمصاهرة، وخشية أن تترسخ بعض الصفات الوراثية السلبية؛ فيكون من باب التفضيل وليس من باب التحريم.
وأحيانا قد نجد أقارب تزوجوا من بعضهم وهم في كمال الذكاء والعقل وسلامة الجسم مع الالتزام في الدين فيراعى كل شيء بحسبه، ولا مانع أيضا من أراد أن يتزوج من قريبة أن يجري فحصا طبيا ليتأكد من عدم وجود بعض الموانع الطبية. انتهى
ويقول مسعود صبري الباحث الشرعي بكلية دار العلوم :
زواج الأقارب لم يرد النهي في الشرع عنه ، ولا الأمر به ، وإنما ترك الأمر للإباحة ، حتى تدرس كل حالة على حدتها ، فربما كان الأنسب أن يتزوج الرجل من قريبته ، فربما كانت هناك اعتبارات اجتماعية ترجح الزواج مع القرابة ، وربما كان الزواج من الأقارب يفضي إلى قطع الرحم ، أو زيادة المشاحنات بين الأقارب ، إن كان يعرف عن العائلة أن الود بينهم غير مستقر.
ومما ذكره الفقهاء أن يخشى ضعف الأولاد ، والتحقيق فيها لرأي الأطباء ، وقد ثبت أن الأمر ليس قطعيا فيها .
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على صفات يختار الرجل زوجته على أساسها ، ولم يذكر منها أن تكون الزوجة غريبة لا يربطها بزوجها نسب، بل طلب التخير من الصالحات الأكفاء، فعن عائشة , قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { تخيروا لنطفكم , وانكحوا الأكفاء , وأنكحوا إليهم } .
و في القرابة صفات قد لا توجد في الأباعد ، وفي الأباعد صفات قد لا توجد في الأقارب، ولذا قال العرب قديما: الغرائب أنجب , وبنات العم أصبر.
ومما يدل على جواز الزواج من الأقارب أن الله تعالى زوج رسوله صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب بنت جحش، بل لم يزوج الله نبيه إحدى النساء غيرها ، وهي قريبته.
وجاء النص القرآني يبيح هذا ، فقال تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) .
فأباح له الزواج من بنات العم والعمة ، والخال والخالة ، وهي من أدنى الدرجات قربا ، فعرفت الإباحة .
وإنما يتغير الحكم من الإباحة إلى الكراهة أو إلى ما هو أشد منها، إن كان هناك سبب يحول الإباحة إلى غيرها ، من ثبوت الضرر الصحي ، أو التفكك الأسري، أو عدم الاستقرار الاجتماعي بين أسر الأقارب والأرحام.
يقول الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى : " وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك " الآية هذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى فأباح بنت العم والعمة وبنت الخال والخالة وتحريم ما فرطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت وهذا شنيع فظيع وإنما قال " وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ".انتهى
وعلى كل ، فالزواج من الأقارب مباح في الأصل ، على أن تراعى الظروف الاجتماعية والصحية ، في كل حالة من الحالات دون القياس على أخرى ، مع القيام بالكشف الطبي وفحوص الزواج قبل إتمامه .
والله أعلم
ويوجد رابط بالنص يناقش الموضوع
مجموعت مفتين
منقول