بنقالي و كفيل جشع و وزارة العمل = جرئمة

بقلم وائل مهدي في يوم الخميس, 29 مايو 2008



حتى من قبل صدور قرار البحرين بإيقاف استقدام العمالة البنغلاديشية على إثر الجريمة التي إرتكبها أحد البنغلاديشيين في حق بحريني، كان القلق تجاه وجود البنغلاديش في الخليج متزايداً.



وفي السعودية كان الجميع ومنذ وقت ليس باليسير يستنكر تزايد الجرائم التي تحدث يومياً على أيد العمالة البنغلاديشية من إغتصاب وقتل وسرقة وتزوير وإدارة أوكار دعارة، والتي تطالعنا بها الصحف صبيحة كل يوم.



وتكونت مشاعر بالكراهية للبنغلاديش لدى الشعب السعودي بسبب ما يراه ويسمعه وظهرت حملات إليكترونية منظمة لتوعية المجتمع ضد جرائم البنغلاديش وللمطالبة بإيجاد حلول لإيقافهم.



حقيقة، لم يعرف المجتمع السعودي عمالة فاسدة في تاريخه بمستوى فساد البنغلاديش. ولكن ليس الغريب هو وجود بنغلاديشي (فاسد) بل الغريب هو وجود بنغلاديشي (غير فاسد) في بلد يدفع فيه نظام العمل العامل إلى ارتكاب الجريمة دفعاً.



كيف يستغرب المجتمع من أن يرتكب أي جريمة عامل بنغلاديشي يتقاضى 400 ريال في بلد مليئة بالثروات ويعمل فيها تحت كفالة كفيل سعودي لا يعلم عنه شيئاً أو يتخلى عن مسؤوليته تجاهه، بينما تشرف عليهما وزارة عمل لا تستطيع تنظيم آلية استقدام العمالة ولا متابعتها حال وصولها إلى المملكة ولا تجيد غير التوقيع على التأشيرات الصادرة.



إذاً فهل من المعقول أن نحاسب عامل بنغلاديشي على ما يفعله في السعودية من جرائم والنظام هو الذي يدفعه دفعاً إلى ارتكاب جرائمه؟



أنا لا أبرئ البنغلاديش من جرائمهم ولكن فلننظر إلى ظروفهم.



أولاً: يبلغ الحد الأدنى لأجر العامل البنغلاديشي 400 ريال سعودي وهو مبلغ ضئيل جداً لا يستطيع أن يعيش عليه العامل وأن يقتصد منه لإرساله إلى وطنه.



ثانياً: تقول السفارة البنغلاديشية أن 50 في المائة من العمال البنغلاديش الذي يأتون إلى المملكة يتقاضون أجراً أقل من المتفق عليه وهذا مشاهد ومعروف.



ثالثاً: تقول السفارة بأن العديد من العمالة يتم تأخير مرتباتهم لعدة شهور وهذا أيضاً مشاهد ومعروف وسكان جدة يتذكرون تماماً ما فعله عمال النظافة قبل بضعة سنوات عندما أضرب الجميع عن العمل إضراباً جماعياً بسبب تأخير تسلهم مستحقاتهم لشهور طويلة، وتكدست النفايات بالمدينة.



رابعاً: تقول إحصائيات السفارة البنغلاديشية في السعودية بأن 50 في المائة من العمالة البنغلاديشية التي يبلغ عددها 1.5 مليون عامل في المملكة، هي عمالة غير مدربة أي أنهم لا يحملون مؤهلات مناسبة لطبيعة الأعمال التي يقومون بها.



خامساً: يدفع غالبية البنغلاديش مبالغ كبيرة للحصول على تأشيرة عمل في السعودية مما يضع عليهم حملاً كبيراً من أجل تسديد مبلغ التأشيرة وهذا ما يدفعهم إلى التورط في أعمال لا أخلاقية من أجل الحصول على دخل إضافي.



سادساً: تعد بنغلاديش من أوائل الدول في العالم من حيث إنتشار الرشوة والفساد. وتضع منظمة الشفافية الدولية بنغلاديش في المركز 162 من بين 180 دولة من ناحية الفساد ولا يفصل بنغلاديش عن قاع الترتيب سوى 7 مراكز. مما يعني أن العامل البنغلاديشي يأتي من بلده وهو معتاد على الرشوة وعلى التلاعب بالإنظمة الحكومية.



سابعاً: غالبية البنغلاديش يعملون عند كفلاء سعوديين لا يتابعونهم ولا يتكفلون بإعاشتهم وإسكانهم مما يزيد الحمل على العامل.



ثامناً: تقول السفارة البنغلاديشية أن معظم الكفلاء يطلبون من العمالة البحث عن أعمال إضافية في حالة رغبوا بزيادة دخولهم المادية، وهو ما يتنافى مع أنظمة الإقامة والعمل في المملكة، ويؤدي إلى تورطهم في العديد من الجرائم.



تاسعاً: يعمل العديد من البنغلاديش تحت أسماء كفلاء سعوديين يوفرون لهم تصاريح العمل وتصاريح المحلات التجارية ثم يدعونهم يديرون كل شئ في مقابل نسبة بسيطة من الدخل، وبهذا تصبح سيطرة البنغلاديشي كاملة على الخدمات التجارية التي يقدمها المحل بينما تكون سيطرة السعودي صورية عليها. وفي الغالب يتورط هؤلاء في غش الزبائن وإستخدام بضائع فاسدة ومقلدة.



عاشراً: وزارة العمل في سبات عميق ولا تستيقظ إلا عند إصدار التأشيرات، ولا تحفظ حقوق العاملين ولا الكفلاء.



الحادي عشر: أجور العمالة البنغلاديشية هي الأقل من بين كل الجنسيات التي تستقدمها المملكة.



الثاني عشر: إرتفاع تكلفة المعيشة في المملكة وفي أنحاء العالم جعلت من أجور البنغلاديش غير مجدية لهم للعمل.



فإذا لاحظنا كل هذه الأسباب التي تقدم ذكرها، فإننا نجد أمامنا عاملاً جاهل وغير مدرب، وكفيل مستهتر وجشع، ووزارة عمل متمرسة في الإهمال والتنصل من المسؤوليات.



كما أننا لو لاحظنا فإننا سنجد أن هناك طلباً كبيراً على البنغلاديش على الرغم من رداءة مؤهلاتهم وعلى الرغم من الفساد الذي يعم بلدهم بسبب استغلال السعوديين لقلة تكلفتهم.



فبحسب أرقام السفارة فإن الطلب على العمالة البنجلاديشية في السوق السعودية يتزايد، حيث تم استقدام 200 ألف عامل بنجلاديشي إلى المملكة خلال العام الماضي، فيما بلغ أعداد هذه العمالة التي تم استقدامها خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري 40 ألف عامل.



ولا يقول أحد بأن البنغلاديش رضوا بأن يتقاضوا هذه الأجور البخيسة ولهذا ليس لهم الحق في المطالبة بأكثر عند قدومهم للمملكة. كيف يمكن أن تسيطر على رغبات عامل يرى أنه يأخذ أقل من باقي الجنسيات ولا يمكن عمل شئ لزيادة دخله مهما اجتهد في عمله؟



لا يوجد حل سوى تغيير نظام العمل الفاشل الذي لا يراعي الرغبات الإنسانية في زيادة مداخيلها ولا يراعي تغيير الظروف الإقتصادية من تضخم وغيرها، ولا يراعي غير مصالح طبقة من ملاك البشر الذي لديهم عدد كبير من التأشيرات ويعيشون على دخلها.



وبالإضافة إلى هذا يجب على وزارة العمل أن تشدد على طرائق اختيار العمالة خاصة من الدول التي ينتشر فيها الفساد بصورة كبيرة مثل بنغلاديش حيث لا يمكن التحقق من صحة الشهادات والمؤهلات التي يحملها الجميع. أو أن توقف الوزارة الاستقدام من هذه الدول إلى أن يتم تحسين مصداقيتها.



ولكن كل هذه الحلول لن ترى النور لأن التاجر الشجع يحب العمالة الرخيصة ولا يهتم في الضرر الذي يصيب البلد والمجتمع، وهذا التاجر هو الذي يدير مشروعات الدولة من صيانة وبنى تحتية وهو الذي تراعي وزارة العمل رغباته.

منقول