سرطان الخصية ... الاكتشاف المبكر يعزز فرص الشفاء إلى 95%
لا بد من الاستشارة الطبية
د.كمال.أ.حنش
شاب في العقد الثاني من العمر لاحظ تضخم خصيته اليمنى بدون أي ألم فلم يعرها أي انتباه وزاول نشاطاته اليومية بدون أي قلق. وبعد مضي 3أسابيع زاد هذا التضخم وشعر بتصلب هذه الخصية فقرر استشارة طبيب عام الذي شخّص الحالة بالتهاب في البربخ وعالجه بالمضادات الحيوية لمدة أسبوعين بدون أية فائدة. وتحت إلحاح والدته، استشار اخصائياً في جراحة المسالك البولية والتناسلية الذي فحصه فحصاً شاملاً وأجرى أشعة فوق الصوتية على الصفن وشخص سرطان في الخصية اليمنى فقام باستئصال الخصية وإجراء تحاليل مخبرية حول وسمة موجهة القند المشيمائي البشري من فئة بيتا Beta. Subunit of HCG والبروتين الجنيني من فئة ألفا alpha fetoprotein ونازعة الهيدروجين اللاكتات Lactate dehydrogenase في الدم وأجرى له أشعة مقطعية على البطن لتحديد درجة خبث ورمه وتصنيفه حسب امتداده وانتشاره إلى الغدد اللمفية والأعضاء الأخرى وتطبيق معالجات إضافية للشفاء منه بعون الله عز وجل.
إن تلك الحالة تمثل نموذجاً لإصابة بعض الشباب بهذا السرطان الذي يعتبر الأكثر شيوعاً لديهم اذا ما تراوحت أعمارهم بين 18و 45سنة والذي قد يفتك بالعديد منهم اذا لم يشخص بسرعة ويعالج بالوسائل الطبية الحديثة التي تشمل الجراحة الاستئصالية والمعالجة الكيميائية التي قد تنجح بشفاء أكثر من 95% منهم خصوصاً اذا ما تم التشخيص والعلاج باكراً وكان الورم في أوائل مراحله وحتى بعد انتقاله إلى الغدد اللمفية في العديد من تلك الحالات. ورغم أن حدوث تضخم في الخصية أو تواجد عقدة صلبة داخلها بدون أي ألم أو أعراض بولية أخرى يعتبر عادة حالة سرطان خصوي حتى يبرهن العكس إلا أن هنالك عدة حالات أخرى حميدة قد تسبب التضخم الخصيوي مع أوجاع وإيلام وأحياناً احمرار جلد الصفن وأبرزها إلتهاب البربخ والخصية والدوالي والفتق الأربي والفيلة النطفية والادرة والورم الدموي حول الخصية والكيس البشراني التي يمكن استثناؤها حسب الأعراض السريرية والتحاليل المخبرية والأشعة فوق الصوتية على الصفن وخصوصاً فحص الخصية سريرياً الذي قد يثبت التشخيص حتى بدون اللجوء إلى الأشعة فوق الصوتية في بعض تلك الحالات. فإذا تم تشخيص ورم خصيوي يقوم أخصائي جراحة المسالك البولية والتناسلية باستئصال الخصية من المنطقة الأربية بعد إغلاق شرايينها وأوردتها بملقاط وعائي ويتم فحص الورم نسيجياً لمعرفة نوعه الذي يحدد العلاج الإضافي لكل من تلك الحالات.
وتقسم فئات هذا السرطان إلى عدة أنواع أكثرها شيوعاً المنيّوم Seminoma بنسبة 50% وباقي الأورام منها الورم المضفي Embryonal بمعدل 10% والورم المسخي Teratoma بنسبة 3% إلى 5% والظهاروم المشيمائي Choriocarainoma وسرطان الكيس المحي Yolk sac tumor في أقل من 1% من تلك الحالات. وقد يثبت الفحص النسيجي تواجد مزيج من تلك الفئات بمعدل 35% منها.
وبعد الحصول على نتائج الفحص النسيجي والوسمة التي ناقشناها سابقاً والأشعة المقطعية على الرئتين والبطن وخصوصاً الغدد اللمفية حول الأبهر والوريد الأجوف وأوعية الكليتين يقوم الأخصائي بالمعالجة حسب نوع السرطان وطوره ومدى امتداده محلياً وانتشاره. ففي معظم حالات المنيوّم Seminoma غير المنتشر أو المتقدم قد يشمل العلاج المتابعة مع مراجعة التحاليل والأشعة المقطعية كل شهر إلى ثلاثة أشهر في السنوات الأولى أو المداواة بالأشعة على الغدد اللمفية حول الأبهر الوريد الأجوف على مستوى أوعية الكليتين أو المعالجة الكيميائية بمادة كربوبلاتين Carboplatin بجرعة واحدة أو جرعتين وذلك بنجاح مرتفع جداً يتعدى 98% . وأما اذا ما عاود السرطان أثناء المتابعة فيمكن معالجته كيميائياً بالكربوبلاتين او المداواة الاشعاعية مع نتائج ممتازة في معظم تلك الحالات. وأما في حال زيادة معدل الوسمة LDH أو Beta-HCG بعد استئصال الخصية أو ظهر تضخماً في الغدد اللمفية أو امتداداً إلى الرئتين أو أعضاء أخرى فيمكن شفاؤه بإذن الله سبحانه وتعالى بالمعالجة الكيميائية في معظم تلك الحالات مع متابعتها سريرياً ومخبرياً وإشعاعياً بطريقة منتظمة ودورية. وأما اذا ما كان السرطان من الفئة غير المنيّوم وفي حال كان محصوراً في الخصية المستأصلة بدون أي تقدم خارجها أوانتشار إلى الغدد اللمفية مع استواء الوسمة بعد استئصالها فيمكن في تلك الحالات متابعة تلك الحالات بالتحاليل المخبرية والأشعة المقطعية كل شهر إلى 3أشهر وذلك لمدة حوالي 5سنوات على الأقل مع نسبة معاودة أو ظهور الورم أو انتشاره إلى الغدد اللمفية أو إلى أعضاء أخرى بنسبة حوالي 30% مما قد يستدعي المعالجة الكيميائية والجراحية مع معدل البقاء على قيد الحياة بنسبة حوالي 98% . وقد تعالج أيضاً تلك الأورام بالجراحة الاستئصالية للغدد اللمفية حول الأبهر والوريد الأجوف على مستوى أوعية الكليتين وتطبيق المعالجة الكيميائية اذا ما امتد السرطان اليها او المباشرة بالمعالجة الكيميائية BEP بجرعيتن أو أكثر بعد استئصال الخصية مع نجاح مرتفع جداً لكلا تلك الوسيلتين بنسبة حوال 98% . ومن مساويء المعالجة الجراحية أنها قد تسبب أحياناً تخاذل أو انعدام القذف مع حصول العقم بينما مضاعفات المعالجة الكيميائية على المدى الطويل قد تشمل تناذر رينولدز Raynauldصs syndrome والاعتلال العصبي والأمراض القلبية والوعائية واعتلال الكلوي وابيضاض الدم. أما في حال استمرار ارتفاع الوسمة بعد استئصال الخصية مع تواجد غدد لمفية متضخمة خلف الصفق فإن علاج تلك الحالات يشمل المعالجة الكيميائية BEP التي يتبعها أحياناً الاستئصال الجراحي للغدد اللمفية أو بعض نقائل الورم في الرئة او الكبد اذا ما امتد اليها مع أمل في البقاء على قيد الحياة بإذن الله عز وجل، بنسبة 80% . اما في حال ارتفاع بالغ للوسمة B-HCG أو AFP أو LDH بعد استئصال الخصية أوانتقال الورم إلى عدة أعضاء مثل الكبد والرئتين والعظام والدماغ فيقوم العلاج عندئذ على استعمال عدة مواد كيميائية مع أحياناً زرع الخلايا الجزعية وحقن مادة GH-CSF للوقاية من حصول مضاعفات دموية خطيرة جداً. وأما نسبة نجاح تلك الوسائل العلاجية في تلك الحالات المتقدمة فلا يتعدى عادة 48% .
فبالخلاصة أن تشخيص سرطان الخصية الأكثر انتشاراً عند الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15و 45سنة يستدعي التوعية حول احتمال حصوله والتيقظ اليه بتشجيع هؤلاء الشبان بفحص خصيتهم يومياً والمباشرة بدون أي تأخير إلى استشارة أخصائي جراحة المسالك البولية والتناسلية اذا ما حصل تضخم خصوي غير مؤلم. ناهيك عن انه قد يكون مؤلماً في حوالي 10% من تلك الحالات، أو تواجد عقدة أو تصلب في احدى الخصيتين. ورغم أن معظم الأورام في الصفن تكون عادة حميدة إلا أن إثبات ذلك يتطلب فحصاً سريرياً على يد الأخصائي الذي قد يقوم أيضاً بإجراء الأشعة فوق الصوتية على الصفن وبعض التحاليل المخبرية الاضافية. ورغم التقدم البالغ ونسبة النجاح المرتفعة جداً في معالجة تلك الأورام باستعمال الوسائل الجراحية والكيميائية، بعون الله عز وجل، إلا أن تطبيق التشخيص الصحيح والعلاج المثالي لتلك الحالات لا يؤدي إلى شفاء معظمها فحسب بل يساعد أيضاً على المحافظة على جودة حياة هؤلاء الشباب وتفادي حصول أعراض جانبية ومضاعفات وخيمة قد تؤثر عليهم مستقبلياً وتمنعهم من الاستمتاع بمستقبل براق وصحة جيدة وممتعة وقدرة طبيعية على الإنجاب ان شاء الله.
منقــول