كوميديا الأجزاء .. كوميديا الإسفاف

يبدو أننا كلما تبرمنا من تفاهة مسلسل واستخفافه بعقلياتنا وذوقنا، زاد إصرار القائمين عليه على تعذيب المشاهدين أكثر وصناعة جزء ثان له ، وكلما انتقدنا عملاً فنياً وقلنا إنه هابط ولا يرتقي بالذوق العام بل يحمل استخفافاً بالمشاهد بشكل يثير الأعصاب ويجعلها قابلة للانفجار ، نجد القائمين على العمل قد «دبلوه» لنا في العام الذي يليه بجزء جديد !
أليس من الغريب أن كتاب الزوايا والمشاهدين ينتقدون عملاً بشكل جماعي ويتبرمون منه ليفاجأوا في العام التالي باستحداث جزء ثان قائم على الكوميديا المزعومة والصراخ والتفاهة والاستهزاء باللهجات واستخدام ألفاظ نابية لا يستخدمها أقل الناس تحضراً وتجنح للسوقية و انعدام الذوق !!؟
ليس من المبالغة في شيء أن نقول إن كل الأجزاء في رمضان هذا العام والمصنفة على أنها كوميديا جميعها دون استثناء لا تستحق حتى جلسة لمدة دقيقتين أمامها، بل أن المكوث عليها هذه الفترة الزمنية القصيرة هو التعذيب والغثيان والضغط على الأعصاب لدرجة الشعور باللوعة في الكبد والإحساس بالقرف وهذه «الأخيرة» هي الكلمة المهذبة لمشاعر نربو بالقارئ عن إزعاجه بها ! ما هذا الذي نراه أمامنا في مسلسلات يزعمون أنها كوميديا ، وهي ليست سوى العبط والصراخ وناس رايحة وناس جاية و ركض وتفحيط وكلمات وحركات تخدش الحياء واستخدام لهجات محلية بشكل يوهمون أنفسهم بأنه سيوجد لهم قاعدة جماهيرية ستضحك على ما يفعلونه وتُرغب في عملهم، في حين أن الطريقة التي تؤدى بها هذه اللهجات ليس سوى الاستهزاء والسخرية ولا معنى آخر له ، والناس ليست أغبياء أو سذج حتى لا تفرق بين الكوميديا الحقيقية وبين السخرية بغرض الإضحاك، ثم على ماذا نضحك ؟ على لهجات الآخرين ؟! لهجة اخوان لنا ومن نفس الأرض والمنشأ ؟ ألا يعلمون أن الاستخفاف باللهجات حتى ومن خارج هذه الأرض لا يعني سوى الإفلاس والعجز عن إيجاد كوميديا حقيقية صادقة ، كلٌ له لهجته التي يعتز بها والذي علينا جميعاً احترامها لا أن تكون مثار سخرية واستهزاء ، ارتقوا يا عالم .. وازرعوا في الآخرين معاني جميلة بدلا من هذا الاستخفاف والاستهزاء بالناس وبلهجاتهم.
نتأسف ونشعر بالأسى حين نجد المشاركين في هذه الأعمال فنانين نكن لهم كل الاحترام ، ونفرد لهم حيزاً من التقدير ، ويفجعوننا باستخفافهم بنا وباختياراتهم التي لا تعني سوى أنه لا احترام لعقلياتنا ، «يالله» شوية لبس وتسريحات غريبة ولهجات من هذا الوادي الوادي وصراخ و ركض وشبه رائحة لفكرة لا يخدعون بها حتى طفل على أنها هادفة لتكتشف بعد تجرع لحظات المسلسل المريرة ، أنها ليست سوى تفاهة في سخف وسخف في تفاهة.
فيا فنانينا الأعزاء .. احترموا الناس الذين أحبوكم ، فلم يعد الناس ساذجا ولا يملكون القدرة على تميز العمل المتعوب عليه من «سلق البيض». فالأعمال الجيدة لا تحتاج لتهريج ودعايات مكثفة لأنها تفرض نفسها، احترمونا قليلاً .. على الأقل في هذا الشهر المبارك.
الحديث لم ينتهِ، و لنا عودة .. أكثر صراحة.



http://www.alyaum.com/issue/article....7&I=616126&G=1