في بهجة الصباح الباكر يرون بأم أعينهم شروق شمس النهار ، وبمنتصفه يتأملون زوالها حتى غروبها ، ويستمتعون ليلا بمشاهدة آلاف الملايين من النجوم المتلألئة في السماء قبل أن يهجم عليها بياض الأفق ليطفئها عند فجر الصباح ، ويشاهدون بكل بلاهة كيف أنّ أعمارهم تجري مسرعة نحو هاوية الموت مرغمة لا مخيّرة وهم لا يحرّكون أي ساكن ، ويشيب رأسهم ويضعف جسدهم وتقل حدّة بصرهم وتمرض أعضاءهم ، وتدفع الأرحام من جهة وتموت أقوام من جهة أخري، وهم يرون كل شئ يصل إلى أعلي قمّته ثم ينهار إلى الأسفل ، ومن أحلى حلّة يرونها من الجمال الأخّاذ إلى أدني مستوى من القباحة عند الهرم ، ويسمعون عن وفاة الصغير والكبير ويستمتعون بالقصص التي تروي عن زوال الأمم *
ومع كل هذه الحقائق الحتمية الوقوع وهذه المسلمات التي لا يختلف عليها العرب ولا العجم ولا العاقل ولا المجنون ولا المسلم ولا الكافر ولا الصغير ولا الكبير ولا الغني ولا الفقير تراهم يصرّون علي الغفلة غير عابئين بالشقاء الأخروي الذي سيحل بهم في وسط الجحيم ، و ترى كثيرا منهم ممن أسرفوا علي أنفسهم عقود من الزمن وهم يتشاءمون ويجزعون من الناصحين الذين يذكرونهم بالموت وهادم الّلذات ، وقد تراهم يهيمون بأودية الظنون بهؤلاء الناصحين والمخلصين الذين لا يريدون منهم جزاء ولا شكورا*
فبأي وصف لو أراد العقلاء عبثا أن يستخلصوا فوائد وعبر لتصرفات هؤلاء الذين يصرّون علي العيش بتلك الأوحال الآسنة ولا يريدون الخروج منها إلى أن تأتيهم ساعة الهلاك *
قال تعالي : (( ان الله لا يغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بأنفسهم )) سورة الرعد *