البحث عن المدينة الفاضلة
كُتب : [ 17 - 11 - 07
- 11:41 PM ]
البحث عن المدينة الفاضلة
إنها بين أيديهم ولكنهم لا يريدونها ، علي الرغم من أن أسس البناء التي تقوم عليها تلك المدينة يعرفها القاصي والدّاني ، إلاّ أن الكثير منهم زهدوا تلك الأسس فقد اعتادوا علي العيش بين أكوام الفوضى والتخلّف وشريعة الغاب ، فبما أن اليد الواحدة لا تصفق ماذا عسي أن يفعل الشرفاء لاعمار تلك المدن ، ما حيلة الدعاة والمصلحين الذين حملوا علي أيديهم وأعناقهم تلك الأسس وهم يعرضونها علي أولائك المتخلفين منذ قرون بلا ثمن والى الآن جيلا بعد جيل حتى بحّت أصواتهم وتعبت أيديهم ولم يجدوا إلا النفور من كل فضيلة تهدى لهم وتصلح أحوالهم وتعمّر بنيان مدينتهم .
فالأسس هي أسس ربّانية شرعية أخلاقية أنزلها الله علي نبيّنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وأقام الحجة وبيّن الخير كلّه (( بلسان عربي مبين )) ، (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ))
فكل من أدار ظهره عن الأسس الرباّنية وألقي بذور الشوك والحنظل في أرضه ومدينته فلن يجني إلا ثمار الألم والحسرة والمرارة ، ومن المضحك والمبكي في آن واحد أنك تجد الكثير ممن كرهوا الفضائل واستخفّوا بالقيم الإنسانية في شبابهم وقوّتهم وعنفوان مجدهم ، تجدهم الآن بعد توبتهم وبعد أن أخذوا جزائهم العادل وقد هرموا وشاب شعرهم وتقوّست ظهورهم وتكالبت عليهم الأمراض وهم يتأففون من الحالة المزرية التي وصلت إليها قريتهم ومدينتهم من فساد الأخلاق وسرقة وقتل ونصب واحتيال وظلم العباد وأخذ أموال الناس بالباطل وقطع الطريق وشهادة الزور ورمي المحصنات الغافلات وانعدام الأمان في الليل والنهار، ولو نظروا إلي المرآة مرّة واحدة وتمعّنوا وجوههم وتذكّروا الأيام الخوالي التي مضت لأدركوا أن أجيالا كثيرة من البشر قد اقتدت بهم وسلكوا نفس المسلك الفاسد الذي سلكوه ونفس الأسلوب الإجرامي الذي فعلوه ، إنهم القدوة السيّئة للجيل الذي بعدهم إنهم بذروا الشوك والحنظل ، فأي أسس ستبني تلك المدينة الفاضلة وقد خرّبوها بأيديهم القذرة * وقد قيل (( متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم )) .
|