6 أشهر.. المؤشر يربح 16% وكيان أعلى الرابحين بنسبة 121%
سباق الزمن ما بين إدراج زين وأحقية سابك وتفعيل هيكلها
د. حسن الشقطي (*)
أغلق مؤشر السوق هذا الأسبوع عند 9892 نقطة خاسراً حوالي 93 نقطة، وهي خسارة تأتي للأسبوع الثاني على التوالي. ولكن رغم ذلك لم يكن المسار الهابط حاداً على المستوى اليومي كما حدث في الأسبوع الماضي.. فعلى مدى أيام الأسبوع كان المؤشر يتحرك يومياً ما بين صعود وهبوط، من غير أن يؤكد مساراً معيناً؛ الأمر الذي تسبب في تشتيت أذهان المتداولين. ومن أبرز ما تسبب في ذلك وأثار الجدل هو صعود سابك رغم هبوط المؤشر، وهو أمر غير معتاد بالسوق الذي لطالما كانت القياديات تسبق مؤشره نحو الهبوط، في حين كانت تتباطأ عنه عند الصعود.. فماذا حدث؟ وقد عادت في نهاية هذا الأسبوع من جديد حملة دفع قوية لسعر سابك من خلال تجديد إحدى الشركات التي أصبحت بارزة في تقييم الأسعار العادلة للأسهم القيادية تحديداً، عادت لتؤكد أن السعر العادل للسهم هو 260 ريالاً.
أيضا من الجوانب التي بدأ يتساءل عنها المتداولون هو التأثير المحتمل للتضخم في السوق المحلي على أسعار الأسهم.. فالكثيرون يتساءلون: أليس زيادة معدل التضخم تعني انخفاضاً في المقدرة الشرائية للريال؟ ومن ثم أليس ربح ريال في شركة معينة في الماضي يعتبر ذا قيمة أقل في الحاضر؟ بمعنى أليس التضخم يضعف من القيمة الحقيقية لأرباح الشركات؟ ألا كان يفترض على الشركات أن تقدم توزيعات نقدية أعلى مما كانت تقدمه في الماضي نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار منتجاتها وخدماتها؟ بل من جانب آخر، ألم تنخفض القيمة الحقيقية لأرباح معظم الشركات إذا أخذنا في الاعتبار الانحدار في القيمة الحقيقية للنقود؟
استمرار حالة اضطراب المؤشر
على مدى ثلاثة أيام استمر المسار الهابط للمؤشر، إلا أنه لم يكن هبوطاً بنسب كبيرة، بل جاء هبوطاً بنسب ما بين 0.5% إلى 1%، وخسر المؤشر خلال هذه الأيام الثلاثة حوالي 2.2%. تلاها يوم الثلاثاء صعود قوي نسبياً، ربح خلاله المؤشر حوالي 1.4% معوضاً جزءاً كبيراً من خسائره. ثم ما لبث يوم الأربعاء أن عاود الهبوط من جديد خاسراً نسبة طفيفة بلغت 0.14%. وعليه، يكون المؤشر قد أغلق أسبوعه على خسارة 93 نقطة.
قلق غير مبرر
(بأن يكون هذا هو الصعود الأخير)
في يوم الأربعاء افتتحت حركة التداول على صعود قوي، ارتفعت خلاله أسعار معظم الأسهم بما فيها القياديات، وربح معها المؤشر حوالي 178 نقطة.. إلا أنه مع منتصف جلسة التداول بدأ ينحدر شيئاً فشيئاً حتى خسر كافة مكاسبه وأغلق على خسارة بحوالي 14 نقطة. إن المتداولين أصبح ينتابهم مشكلة المبالغة في الخوف مثلما تحدث لديهم مشكلة المبالغة في التفاؤل أيضا؛ حيث إن الكثير من المتداولين انتابهم شعور بأن هذا الصعود لن يستمر، وأنه فرصة للبيع واقتناص ربح ولو قليل؛ ما أدى إلى كسر المسار الصاعد. ورغم أهمية امتلاك الحس في تحديد أوان جني الأرباح، إلا أن مما لا شك فيه أن هذا الخوف غير مبرر؛ لأن المؤشر لن يسير في اتجاه معين مهما طال أوان مساره؛ فبعد كل هبوط سيأتي حتماً صعود، والعكس صحيح.. بل إن كل هبوط هو بداية لصعود جديد. أيضا يفترض أن يظهر القلق عندما يصعد المؤشر إلى مستويات كبيرة أو غير مقبولة أكثر منه عندما يهبط من مستويات مقبولة.
المتداولون وحالة الهبوط
عندما يتخطى السعر السوقي للسهم قيمته الدفترية بمراحل كبيرة، فيمكنك أن تصبح مضارباً عند الصعود؛ لأنه عندئذ يفوق الربح المضاربي من السهم أرباحه الاستثمارية بشكل واضح. أيضا طالما أنك قد دخلت (اشتريت) في سهمك عند سعر متدنٍ يشكل قاعاً، فيمكنك عند الهبوط أن تتحول إلى مستثمر بلا خوف. أما الأمر الثاني فهو أولئك الذين يسعون إلى إعادة ترتيب محافظهم أثناء فترة الهبوط. إن ذلك لا يبدو مقبولاً بالمرة، فهل يعقل أن يبدأ الفرد في تصفية أسهمه الخاسرة في عز نزول المؤشر؟.. بالطبع إن ذلك يتسبب في مزيد الخسائر للفرد إنْ أقبل على ترتيب المحفظة في أوان الهبوط. إن الترتيب الناجح للمحفظة هو الذي يحدث في عز التفاؤل وخلال أقوى فترات صعود المؤشر.
التضخم وارتفاع أسعار الأسهم المتداولة
من الأمور الغريبة التي بدأت تثار مؤخراً في سياق الارتفاع المستمر والمتواصل لأسعار كافة السلع والخدمات في السوق المحلي (وكافة الأسواق العربية أيضاً): لماذا لم ترتفع أسعار الأسهم المتداولة أيضا؟ ففي الوقت الحالي لا يختلف اثنان على أن السوق المحلي يشهد ارتفاعاً مستمراً ومتزايداً في المستوى العام للأسعار، وهنا نتحدث ليس عن سلعة واحدة أو سلعتين أو حتى مجموعة من السلع، ولكننا نتكلم عن كافة السلع تقريباً.. ورغم أن هذا الارتفاع غير مقبول ومرفوض رسمياً وشعبياً، إلا أن هناك تضخماً آخر مطلوباً ويسعى الكثيرون إليه، ويفعلون كل ما من شأنه ترسيخه وزيادة حدته، ألا وهو ارتفاع أسعار الأسهم. ورغم ذلك، فهو لا يحدث بالشكل الذي يتوافق مع ارتفاع أسعار السلع الأخرى. ومن المعلوم أن كل سهم له سعران: سعر دفتري، وسعر سوقي. وفي الغالب ما يتحرك السعر السوقي حول السعر الدفتري رغم أن الأول غالباً ما يسبق الثاني بنسب تصل في المكرر من 2 إلى 7 تقريباً. وهنا نتساءل: أليس هذه الأسهم هي لشركات تعمل في السوق المحلي، بل هذه الشركات هي من كبريات الشركات في السوق.. وبالطبع كل شركة تقوم بإنتاج سلعة أو خدمة، وبالطبع أن هذه السلع أو الخدمات ارتفعت أسعارها مثل غيرها من المنتجات الأخرى.. فلماذا لم يترجم هذا الارتفاع إلى زيادة في القيم الدفترية أو الأسعار السوقية لهذه الشركات؟
بمعايير التضخم.. حدوث تراجع حقيقي في أرباح معظم الشركات
إنَّ التضخم نال كافة مصادر الإنفاق للفرد الآن، ولكي يشعر الفرد بنوع من التوازن ينبغي أن يلقى أيضاً تضخماً موازياً في مصادر دخله، وبالفعل صدرت القرارات السامية لرفع مستويات الرواتب.. إلا أن هناك مصدراً آخر من الدخل ينبغي أن يحقق بعض التوازن، وهو دخول الأفراد من استثماراتهم في سوق الأسهم، ألا ينبغي أن ينال المستثمرين فيه نصيب من ارتفاع مستويات أسعار السلع والخدمات التي تنتجها الشركات؟.. بل ينبغي القول ألم تستفد الشركات أو حتى بعضها من ارتفاع المستوى العام للأسعار؟.. فلماذا لم يستشعر المساهم أو المستثمر قدراً من هذا التضخم في حصيلة عوائده من الشركات التي يساهم فيها؟ إننا إذا أعدنا حساب القيمة الحقيقية للتوزيعات النقدية أو الأحقية أو غيرها لشركات الأسهم، قد نكتشف أن حتى تلك الشركات التي أعلنت توزيعات مرتفعة هي منخفضة بالقيمة الحقيقية للنقود بعد احتساب معدل التضخم.. أما بالنسبة إلى الشركات التي أعلنت توزيعات متوسطة أو منخفضة، فإنها في حقيقتها قد لا تكون قد أحرزت أرباحاً للمستثمرين فيها، بل إن الأخذ بمعدل التضخم قد يقود إلى ظهور قيم نمو مختلفة كثيراً عن تلك المعلنة بالقيم الظاهرة للنقود.
أداء السوق والتصحيح الذكي
أحد الأسئلة التي يثيرها المتداولون كثيراً تدور حول: أين توقعاتكم بشأن استمرار الهبوط لمستويات كبيرة منذ عام مضى؟ كما يتساءلون: ألم ينتهِ التصحيح؟ ألم تكذب توقعاتكم؟ لسوء الحظ أن الرد على ذلك القول يحتاج إلى صفحات وصفحات لتوضيح كيف أن التصحيح انتهى في مواقع بالسوق ولم ينتهِ في مواقع أخرى. ولتوضيح أن السوق أصبح منقسماً على نفسه الآن إلى دويلات صغيرة.. لكل منها قواعده وشروطه.. بل حتى الألوان أصبحت تتباين كثيراً داخل الجلسة الواحدة.. أكثر من هذا، فالنظرة قصيرة الأجل للمؤشر أصبحت خادعة ولا تُظهر ما يخفيه المؤشر بداخله على المدى المتوسط أو البعيد.. كما أن قياديات المؤشر التي لطالما كانت تسبقه في الهبوط وتتباطأ بعده في الصعود مثل سابك، اليوم تخالفه كلياً، المؤشر يهبط وسابك تصعد غير مبالية بمساره.. بل إن أداء السوق خلال الأشهر الستة الأخيرة يدلل على أن التصحيح لم ينتهِ في جزء واضح من أركان السوق، وأن هذا التصحيح أصبح انتقائياً، ويتلمس طريقه إلى أسهم بعينها، بما يمكن أن نسميه التصحيح الذكي. إن هذا التصحيح الذي بات يتلقف الأسهم المضاربية (ذات الأسعار المتضخمة) ولا يدع لها طريقاً إلى الصعود مهما صعد المؤشر، ومهما صعدت قيادياته.. لا يسعنا إلا أن نعتبره أحد إنجازات هيئة السوق التي أصبحت بالفعل تدير دفة التداول بدون تدخل مباشر كما سبق أن صرحت.. لك أن تشاهد في الجدول (1) أن كيان وينساب والمراعي وسابك وغيرها ربحت بنسب تفوق 40%، في حين لك أن تشاهد أن الباحة وشمس ومعظم الزراعيات خسرت بنسب تفوق 35%. إن الأشهر الستة الماضية تؤكد أنها قادت حركة تصحيح أقوى في حدتها من تصحيح 2006م.
أسهم البتروكيماويات
تترأس الأعلى ربحية خلال الأشهر الستة
من الأمور اللافتة للنظر أن أسهم القطاع البتروكيماوي جاءت على رأس قائمة الرابحين على مدى الأشهر الستة الأخيرة، حيث إن 6 شركات بتروكيماويات (بعد تقديم سابك للتوضيح) احتلت مرتبة الأعلى ربحية. لماذا؟ أولا نتيجة لتطور القطاع البتروكيماوي بالمملكة؛ حيث إن التوجهات باتت واضحة ناحية مزيد من عمليات التكرير، والتوجه إلى تصنيع محلي للمنتجات النفطية بدلاً من تصدير الخام.. أي أن مكنون ارتفاع أسعار هذه الأسهم هو مبرر استثماري في الأساس.. إلا أن ذلك لا يبتعد كثيراً عن استغلال المضاربين لهذا الوضع لإشعال عمليات المضاربة النشطة عليها.
السباق مع الزمن
يوجد بالسوق الآن من يسابق الزمن من حيث استباق إدراج زين ثم أحقية سابك، وأيضا قبل تفعيل الهيكل الجديد، وأيضا قبل بدء طرح بنك الإنماء. إن هذه الأزمنة الأربعة تبدو هي المفسر القوي لكل ما حدث هذا الشهر وما سيحدث للمؤشر خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة.
(*) محلل اقتصادي