مقال / أ.د. عائشة سعيد أبو الجدايل جريدة المدينه
م ن ق
أبرزت صحيفة “المدينة” في عددها الصادر في 7/2/1430هـ عنوانًا عريضًا على الصفحة الأولى، المفتي العام يحذّر من عمل السعوديات كخادمات في المنازل. وفي ص26 أُجري حوار مع سماحة المفتي، وكان العنوان العريض في تلك الصفحة: المفتي العام: بناتنا أمانة يجب أن نحافظ عليهن من العمل كخادمات. وعند الرجوع إلى الحوار نجد أن السؤال يدور حول العمل في المنازل، الشيء الذي يتطلب من النساء العاملات المبيت لدى رب العمل، ومشاركته وأبناءه السكن، وبالتالي الكشف. ورد سماحة المفتي: كما فهمت، رفض فكرة خلوة رب المنزل بالعاملة، سواء كانت مواطنة، أو وافدة.. ولكن فحوى الإجابة لم توضح رأي سماحته بعمل المرأة السعودية كخادمة. ولكن سماحته قال: بناتنا يجب أن نحافظ عليهن ونبقى على وضعنا الطيب.
إن عددًا لا يُستهان به من بناتنا في أوضاع مادية حرجة، أو انهن في حاجة بل أشد الحاجة إلى راتب، أي راتب حتّى ولو كان راتب عمل كخادمات في المنازل؟ فإذا قبلنا التحذير الذي ورد في العناوين من عمل الفتيات السعوديات كخادمات في المنازل؟ وإذا لم يكن هذا النوع من العمل مقبولاً من النواحي الأخلاقية، أو النفسية، أو حتى الاجتماعية!!!! فما هو الحل؟ وما هو وضع بناتنا الذي يجب أن نحافظ عليه؟ هل هو الوضع المادي الحرج بدون معالجة، وبدون إيجاد مخرج لهذا الوضع؟ وأن يبقى الوضع كما هو عليه؟
سأورد ملخصًا حرفيًّا لتحقيق نشرته “المدينة” بتاريخ 3/2/1430هـ، يستعرض فيه نماذج لأوضاع (بناتنا) التي تُدمي القلب، وتُدمع العين. نماذج مَن أجبرتهنّ الحاجة إلى الافتراش على أرصفة أسواق جدة، (وليس جدة وحدها) التي يوجد بها هذا النوع من السيدات، لبيع السلع الشعبية، واللواتي بالرغم من تمسّكهن (بتلابيب العمل الشريف) إلاَّ أن مطاردات أقرب لمطاردات أفلام الكاوبوي يتعرضن لها بالليل والنهار من مندوبي البلدية لمنعهنّ من البيع، ومصادرة ما لديهنّ من بضائع.
إن المطاردة في حد ذاتها مشكلة؛ لأنها توصد أمامهن أبواب الرزق، ولكن المشكلة الكبرى هي مصادرة البضائع؟ وإليكم النماذج أو الحالات:
الأولى: سبعينية تعول زوجها المقعد الذي لا يستطيع الحركة؟
الثانية: زوجة متقاعد لا يتجاوز راتبه 1500ريال، ويبدو أنه منذ تقاعد زوجها ولمدة 11 عامًا وهي تعمل بائعة مفترشة.
الثالثة: مطلقة وتعيل أختها اليتيمة.
الرابعة: الأرملة التي تعيل سبعة أبناء.
ولنا تساؤل: ما حكم هؤلاء النسوة؟ وما حكم عملهنّ على قارعة الطريق؟ وما حكم مطاردتهنّ؟ وما حكم مصادرة بضائعهنّ؟ هل يلجأن للخدمة في البيوت؟ أم يبقين على قارعة الطريق؟ عرضة للمطاردات في الشوارع، وعرضة لمصادرة بضائعهنّ؟
هل يتم صرف رواتب ثابتة لهؤلاء النسوة، ولكل امرأة مضطرة للعمل في مثل هذه الأعمال؟! أليس العمل في المنازل أستر من العمل على قارعة الطريق؟! أليس أفضل من (البهدلة) على أيدي مندوبي البلديات الذين لا يسدّون أبواب الرزق في وجوههنّ، بل ويستبيحون بضائعهنّ بدون وجه حق؟!
المخرج لهن هو العمل بالساعة، كمساعدة ربة منزل.. فمنهن مَن تجيد الطبخ، ومنهن مَن تستطيع المساعدة في تنظيف المنزل، أو الغسيل، أو الكي وما إلى ذلك من أعمال تجيدها المرأة بالفطرة. والعمل بالساعة يعني أن المرأة تستطيع أن تعمل في المنازل عندما يكون الرجال خارج المنازل (ساعات الدوام الرسمي في الصباح)، وتغادر قبل عودة الرجال. وبذلك تتاح فرص عمل كبيرة للنساء. حيث أثبتت الدراسات أن أكثر الأسر فقرًا هي التي تعولها النساء. والمرأة فيها مجبرة على العمل، أي عمل إلاَّ أنها لا تستطيع أن تقف مكتوفة اليدين وهي ترى أسرتها في حاجة ماسّة إلى مساعدتها! فهناك الكثير من المواقف التي يشهد للمرأة فيها بالعمل الحثيث، والتضحية من أجل أسرتها.