يقال المحاورة تمسك من اولها فمن يأتيها من منتصفها مستحيل أن يعلم اتجاهها الا بإجتهاد منقوص وضربة حظ , شاعر مثل ابو غازي يعلم إن المحاورة أساس وبناء وبيت رمزية , وابو غازي يرى إن خصمه بحاجة لإختبار ذكاء بوضعه في مقلب كبير وإذا فهمه له نقطة وإذا رد عليه له نقطة وإذا رد عليه رد مناسب وقوي فقد نقضه نقض صحيح ونجح في إختبار الذكاء , قد يعتقد البعض إن المقالب أمر قليل التطرق له أو فيه عداوة شخصية بينما هي أساس من المحاورة منذا نشأتها وذلك لإختبار ذهنية الخصم وتيقظه وقوة رده على المقلب .......الخ .
هنا وفي بيت الرمزية أبو غازي يدفن بإستخدام الجناس حتى يوهم الخصم بسلامة البيت بينما نلاحظ أن البناء أستخدم كلمتين (( شلت )) , (( ريحانه )) وبإرتباط الشيل بمسمى أنثوي دارج ومشهور هو إسم ريحانه يتضح الأساس الذي سيسوقه ابو غازي لخصمه ووسنكشف استمرار أبو غازي بأريحية بعيداً عن فهم الدغيلبي وكان ابو غازي يضع بذكاء الكبير فن الأبعد والأقرب كعادة الشعراء الكبار الذين يصنعون معناهم على شيئين يناسبان الخصم يكون الأقرب لفهمه منطبق تماماً على حالته وبعض اموره وأحواله حتى ينساق لفهم المعنى الأقرب بينما الخصم البادع يسوق المعنى الحقيقي للأبعد وهذا من عبقرية الدفن , ومن سياق المعنى استخدمت كلمة ( الرجل ) وهو توصيف دارج ومشهور عن عضو المرأة ويقول سوار الذهب أنا أمدحه ولا أبين العذاريب التي فيه .
سفر الدغيلبي
ياطيب قلبك لو الأخلاق خربانه *** من وين نقدر نجيب أخلاق تركيبه
المدحه اللي كذيّا مالها خانه *** عن مدحة مطير ربي مغني عتيبه
الدغيلبي رد ردود لاتوضح كلياً فهمه إنه وضع كأنثى تشال بل إعتقد أن الأمر مدح ولكنه شك في نوعية المدح , وهذا يوضح عدم اكتشافه للدقيق بما يحاك من معنى , وهذا حتى يتخارج .
عبدالله الميزاني
لاتكره اللي ماغير يحب جيرانه *** وأنا اكره الماء ليا كثرت دغاليبه
لكن ابعطيك علمٍ سر وأمانـه *** ضلعٍ يتعبك حـــاول لاتعدي به
سوار الذهب يستمر ضمن سياق الدفن الذي سار به من أول المحاورة كأنثى تشال ويخاطب سوار الذهب خصمه على هذا الأساس وأن هذا الأنثى في وضع (( الشيل )) ويضيف (( يحب )) (( جيرانه )) , إما الشطر الثاني ففيه من كمية الدهاء الكثير فالماء إذا كثرت دغاليبه يساق لإيهام الدغيلبي أن الحديث عن الدغالبه جماعة سفر بينما في سياق المعنى الابعد أن سوار الذهب يقول احب جيراني ( ريحانه ) وأريدهم حتى تذهب دغاليب الماء الكثيرة عني ويقصد بها سوار الذهب الحيوانات الصغيرة في ماء الرجل بالتحديد لسياق المعنى وكذلك الربط القوي جداً مع شطر البيت الأول وسبب حب سوار الذهب لجيرانه مبرراً ذلك بإنه حتى تذهب عنه دغاليب الماء التي تضايقه ,, وترابط عجيب جداً بين شطري البيتين في المعنى الأبعد ,,, وهذا مايميز الشاعر الفذ سوار الذهب عن بقية شعراء الرد .
في البيت الثاني يخاف سوار الذهب على ريحانه من شئ واحد وهو إنه اكتشف إنها حامل وهو يشفق عليها من وضع (( الشيل)) الذي بنى عليه المحاورة في الأساس لذلك يدعوها للترفق على نفسها حتى لاتضر الجنين (( ضلعٍ يتعبك حاول لاتعدي به )) .
سفر الدغيلبي
وأنا أكره الحق لامن مال ميزانه *** بعض الموازين طايح ويش اسوي به
كنت أحسب انك متكي وسط زنزانه *** لين اتصل صاحبك والعلم جاني به
ردودعموميه تبين أن الدغيلبي ليس في الجو إطلاقاً وأنه لم يفهم اي شئ من دفن أبو غازي فما بالكم بنقض هذه المعاني بدقة , فسفر يرد ردود عامه لم يصل فيها لأساس المعنى إطلاقاً .
عبدالله الميزاني
أقول يالله تعز البيت بأركانه *** سته في سته على مالله بلاني بـه
القلب مهموم لجل العين سهرانه *** والغالي اللي سواتك ويش أسوي به
ضمن سياق المعنى يتحدث سوار الذهب عن ضيق بيت ما بتحديد مقاسه ( سته في سته ) وربما قصد العكس أي إن هذا البيت في ريحانه واسع ولكنه اتى على مقاس مالله بلى ابو غازي به كما يقول أي إن حجم البيت ناسب حجم الضيف , أو أن هذا البيت الضيق لايتسع للضيف الذي سيدخل بيت ريحانه الصغير الذي معها , ومعروف المقصد من هذا الضيف مع ابو غازي .
ولكن من المصادفات العجيبة إن الدغيلبي اكتشف إن المعنى غير مافهم لكن بفهمه إن ( سته في سته ) أي نساء وهي كلمة مصرية معروفة , وسوار الذهب أراد توصيف حجم المكان المقصود وليس مافهم الدغيلبي !!!!!
سفر الدغيلبي
ان كانك تدوره باقول لك عانـه *** عساه يشبعك من خبثه ومن طيبه
الظاهر انك تبي لك فحص وصيانه *** قلبك من العام قل لي ويش غادي به
سبق أن قلت أن الدغيلبي إستدرك بعد فوات الآوان أن المعنى فيه شئٍ ما يحاك له , لكن فهمه بعد ورود لفظة ( سته في سته ) لعل الدغيلبي تفطن لأن كلمه ست في اللهجه المصريه تعنى إمرأة , وللمصادفة كما ذكرت أن سوار الذهب لم يقصد اللفظة المصرية بل أراد توصيف حجم بيت ريحانه الذي معها وعدم اتساعه للذي مع أبو غازي وبلاه الله به , ولكن الدغيلبي تفطن متأخراً جداً .
ورغم ذلك لم يرد وأراد ابعاد الحرج قائلاً أقول لك عانه ..........الخ .
وسوار الذهب أراد اختبار ذكاء الدغيلبي فقط بوضع الرمزيه عليه كأنثى في وضع ( الشيل ) ونقاشه على هذا الأساس , وفشل الدغيلبي بدرجة الإمتياز في كشف ماحيك له , وهذا مكمن التفوق في المحاورة ويضع الشاعر العادي في حجمه الحقيقي .
عبدالله الميزاني
أثرك من يلحس المشهاب بلسانه *** دايم على طول تشريبه وتغريبـــــه
البيت مايندخل من غير بيبانه *** ترى المطيري يعرف كبار اصاحيبه
وكذلك بدهاء كبير من ابو غازي وماودي والله أتعمق فيها لكن بعض الأغبياء من متطفلي التحليل يحدنا على ذلك , سوار الذهب في هذا البيت داهية داهية داهية .
فريحانه هذه دائماً تلحس المشهاب وعلى طول تشرب ماءه وأيضاً تصنع الإغراء له ويلاحظ الكلمات العجيبة للدفن ( تشريبه ) لشرب ذلك الماء من المشهاب الملحوس , وكذلك تغريبه أي تصنع له الإغراء ( تغري به ) حتى يؤدي عمله على أكمل وجه , واستخدام كلمة التشريبة والتغريبه التي لها معاني أخرى أتى بصوره تبين الدهاء الذي لايقارب أبو غازي فيه اي شاعر آخر .
ويعود سوار الذهب الى بيت ريحانه ويقول إنه يدخل اليه من بابه , وهذا رد على بيت سفر الذي قال ( اقول لك عانه ) أي وضع سفر كأنه يخبر بأين مكان بيت ريحانه الضيق !!!! فيقول سوار الذهب أنا أعرف أين طريق باب ريحانه , وهذا قلب عجيب لمعنى بيت الخصم وذلك بالاستفادة من سياق المعنى الذي لم يدركه سفر على وجه الدقة .
سفر الدغيلبي
أشوف مشهاب غير أشوفك وزانه *** سبحان خالقك حول الشك والريبـه
كبدك على صافي المشروب ضميانه *** واليا انقطع عن عروقك صارت مصيبه
سفر يبعد عن نقض المعنى ويدخل الى طريق آخر بتوصيفات لمشهاب آخر ( مشهاب غير ) أي الزقارة , والمشروب الذي بإنقطاعه يفقد شاربه بعض اتزانه , ورغم فهم سفر للمعنى العمومي وليس الدقيق وإن كان متأخراً جداً الا إنه طرق طريق آخر حتى يخرج بأقل التلفيات , ويقال (( فاتت ياونيان ))
عبدالله الميزاني
كم واحدٍ مايبى ألا عطف وحضانه *** مابات ليل الظلام أليا عوى ذيبـه
ليش الولد مرتكي والبنت عريانه *** ياشين بعض العرب من شين اساليبه
يستمر سوار الذهب في توصيف عجيب في ظل استسلام تام من الخصم وايثاره للسلامه وحتى عدم ادراك دقيق للمعنى العام الا بعد فوات الآوان وخراب طنطا , و عدم فهم للمعنى الدقيق على الإطلاق .
فيقول سوار الذهب أن مثل ريحانه لاتحتاج ألا للعطف والحنان وأن تسهر الليل عندما ينام الجميع لإعطاءها هذا الحنان والعطف .
ويختم سوار الذهب مبيناً إن كل ماجرى هو فقط اختبار للذكاء والفطنة لاغير فهنا الولد مرتكي ( ويقصد ابو غازي نفسه ) لأنه أعطى البيوت القوية ودفن وابدع بينما ( البنت عريانه ) عريانه من الشعر ومن الفطنة ومن الذكاء , وهذا لأن الشعراء المبتدئين راجوا مع أسلوب السطحية وعدم التعمق والفهم والفطنة والذكاء والدفن في أي معنى , فميادين المحاورة تتسع لكل المعاني العامة والخاصة الأدبية والسياسية والدينية والتاريخية والاجتماعية بشرط أن تكون بدفن ورمزية لأن المحاورة فن الدفن والرمز والا ماداعيها , فليتحدث كل شخص بما أراد دون اجهاد الذهن والفكر وليسوا بحاجة لمحاورات , ولكن هذا الشئ يتعارض مع المادية والأموال التي تدفع للشعراء فيكفيهم أن يقولوا أي شئ وبإي طريقه ويكفي صوت جيد ولحن جيد والشعر أول الخاسرين .
سفر الدغيلبي
ياما أطيبك لو عينك عين شيهانه *** تقول حرٍ يعدي في مراقيبه
ياسفر تعليق الخاسر وتبرير الهزيمه لايشفع لك , وعليك تطوير مستواك الشعري وأعتقد أن هذا مستحيل لأن الشعر موهبة والفطنة سجيه والذكاء أمر رباني , فشاعر المحاورة ينبغي عليه أن يكون شاعر ولايكفي ذلك بل يكون فطين وكذلك ذكي حتى يستحق لقب :
(((((((((( شاعر محاوره )))))))))))))))