السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
هذه قصة واقعية مؤثرة، وقفت على أحداثها أثناء عملي مديراً عاماً لرعاية الأيتام ومن ثم أميناً عاماً للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام في المملكة. كانت بدايتها بزواج فتاة فاضلة من رجل خير، وفقهما الله لحياة سعيدة ملؤها المودة والرحمة، غير أن المرأة لم يكتب لها الحمل لإنجاب طفل يزيد الحياة بهجة وألفه، ومضت السنة الأولى والثانية وعندها قرر الزوجان إشباع المشاعر الفطرية للأمومة والأبوة لديهما عن طريق احتضان طفلة محرومة من الأبوين تملأ البيت بضحكاتها ترسم الفرح ببراءتها وتسمعهما الكلمتين اللتين طالما اشتاقا إلى سماعها ماما، بابا.. فضلاً عن الأجر العظيم الذي يترتب على مثل هذا العمل الإنساني فهو مفتاح لبوابة صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة كما جاء في الصحيح، (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى).
وتم ذلك فعلاً فكانت (ل) هي الطفلة الموعودة بالحنان الدفين والمحبة الصادقة والتربية الفاضلة.. ترعرعت (ل) وحبها يكبر معها في قلبي أبويها البديلين حتى أصبحت هي السمع والبصر في حياتهما.
بلغت (ل) سن الثامنة عشرة من عمرها وهي فتاة حسنة التربية أنعم الله عليها بصفات متألقة جعلت منها مناسبة تماماً في نظر (ط) الذي خطبها لتكون زوجة له وشريكة لحياته، تقدم لخطبتها وتمت الخطوبة وبدأت الاستعدادات لمراسم الزواج وفي يوم كتابة عقد القران بينهما شعرت المرأة الفاضلة الأم البديلة شعرت بآلام غريبة تنتابها لم تعهد لها مثيلاً، خرجت بصحبة زوجها الوفي الصابر الشاكر إلى الطبيبة للاطمئنان على وضعها ومعرفة ما أصابها.
قامت الطبيبة بفحصها بشكل متأن والمرأة ما بين شعور بالألم المفاجئ وخوف من وداع ابنتها التي تمثل لها الحياة وحلاوتها وتخاف أن نتركها وحيدة قبل زواجها.
التفتت الطبيبة ووجهها يملؤه البشر والفرح قائلة للمرأة وزوجها.. مبروك أنتِ حامل!!
أما المرأة فكادت أن تنهار فرحاً فهي لم تصدق أذنيها غير أن زوجها المبهور بما يسمع كان أكثر منها تماسكاً فسبقها بالسؤال ماذا تقولين يا دكتورة؟! قالت: أقول مبروك زوجتك حامل، هنا قامت المرأة من سرير الفحص وأمسكت بكفي الطبيبة وهي تردد هل أنتِ جادة فيما تقولين؟! صحيح أنا حامل؟! ثم أجهشت في البكاء.. بكاء انساب فيه الفرح دموعاً صادقة شاكرة وأخذت دقائق قبل أن تلتفت مجدداً إلى الطبيبة التي بدا عليها التأثر لفرح الزوجين ثم قالت أتدرين يا دكتورة لماذا بكيت أنا وزوجي بهذه الصورة ولم تنتظر تساؤل الطبيبة بل تابعت تزوجت أنا وزوجي هذا قبل ثمانية عشر عاماً وأمضينا سنين من حياتنا دون أن أرزق بالحمل والإنجاب فما كان منا إلا أن اتفقنا على احتضان طفلة من دار الحضانة وكان ذلك فعلاً، حيث أخذنا طفلة عمرها سنتين كان ذلك قبل ستة عشر عاماً واستمر حرماني طوال تلك السنوات من الحمل والإنجاب غير أن الله عوضني بمحبة تلك الطفلة التي ترعرعت لدينا وأحببناها أكثر مما يحب الأبوان ابنتهما التي أنجباها وبادلتنا هي حباً بحب وحنان بحنان قبل أن نأتي إليك هنا أي قبل ساعتين فقط كنا مشغولين بعقد قران تلك الفتاة ابنتنا المباركة وفي ذات الساعة واليوم ينعم الله علي بالحمل وبعد كل هذه السنين الطويلة والحرمان.
أتعتقدين يا دكتورة رغم فرحي العظيم بالحمل الذي طالما حلمت به وتمنيته حتى أصبح أقرب إلى اليأس منه إلى الأمل أتفاجئ بأني حامل في نفس الساعة التي يعقد فيها قران هذه البنت المباركة. نعم إن بكائي هذا لشعوري أن الله في الوقت الذي أسلم فيه هذه الأمانة العظيمة لزوجها سلمني الجائزة التي طالما دعوته أن يهبها لي. فهل أجمل من هذه الجائزة؟ وهل أفضل من هذا الوقت الذي أشعرني به ربي الرحمن الرحيم أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وإن كانت هذه جائزتي في الدنيا فإنني أتطلع لوعود الله عز وجل ووعود رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الآخرة وهو رفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنة.. ثم بدأت تمسح دموعها مجدداً وهي تلبس عباءتها قائلة عن إذنك يا دكتوره أنا متشوقة لأعود للبيت لأضم بين أحضاني بنتي المباركة (ل) التي كانت سبباً لهذه الرحمة الإلهية وبالمناسبة يا دكتورة فأنت مدعوة لحضور حفل زفافها سأرسل لك بطاقة الدعوة لاحقاً وخرجت (أم ل) وهي تكاد تتعثر بفرحها الذي يسبقها ليملأ حياتها فخراً واعتزازاً بما صنعته وما قدمته لتلك الطفلة البريئة (ل) حينما تخلى عنها أبواها وتركاها تصارع ظروف الحياة في لفافة دون يد حانية أو عين راعية.. فعلاً إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
فكم من رعاية الأيتام من فضل يصبح معه اليتيم هو صاحب الفضل على كافله أو ليس اليتيم هو الذي يأخذ بيد الكافل إلى جوار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الجنة، حسبنا بهذا الفضل حافزاً يحدونا لنشارك في رعاية الأيتام بأي شكل نستطيعه لننال من ربنا ما نتمناه.. فكل شيء ربنا يستطيعه.
- مدير عام الإدارة العامة لرعاية الأيتام سابقاً
م..............................ش