و أحواله و أهواله المتضمنة لضمة القبر و سؤال
الملكين الذي يتحدد به مصير المرء و يفسح له في قبره إن
كان من الصالحين و يضيق و يشتعل عليه
إن كان من الطالحين و يعرض عليه مقعده في الجنة و مقعده
في النار فيستبشر الصالح و يزداد
الطالح غما على غم و يبقى المنعم منعما و المعذب معذبا إلى
يوم يبعثون كل ذلك دلت عليه
النصوص الشرعية التي منها حديث البراء بن عازب
الطويل الجامع لأحوال الموتى عند قبض
أرواحهم و في قبورهم فقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده
و قال القرطبي في التذكرة إنه صحيح عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَ سَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى
الْقَبْرِ وَ لَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ
سَلَّمَ وَ جَلَسْنَا حَوْلَهُ وَ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ
وَ فِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ
اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ
إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَ إِقْبَالٍ مِنْ
الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ
الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ
الْجَنَّةِ وَ حَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا
مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى
يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ
اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَ رِضْوَانٍ قَالَ فَتَخْرُجُ تَسِيلُ
كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا
فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا
فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَ فِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ
وَ يَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى
مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ فَيَقُولُونَ
فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا
يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا
فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ
كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ
إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ
اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَ أَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّي
مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَ فِيهَا أُعِيدُهُمْ وَ مِنْهَا أُخْرِجُهُمْ
تَارَةً أُخْرَى قَالَ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ
فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ
فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَيَقُولَانِ لَهُ وَ مَا عِلْمُكَ فَيَقُولُ
قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَ صَدَّقْتُ فَيُنَادِي
مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَ
أَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَ افْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ
قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَ طِيبِهَا وَ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ
بَصَرِهِ قَالَ وَ يَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ
الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ
الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَ مَالِي قَالَ
وَ إِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَ إِقْبَالٍ
مِنْ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ
الْوُجُوهِ مَعَهُمْ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَجِيءُ
مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَ غَضَبٍ
قَالَ فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ
السَّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ
يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي
تِلْكَ الْمُسُوحِ وَ يَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى
وَجْهِ الْأَرْضِ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى
مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ فَيَقُولُونَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ
يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا
فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ لَا
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ
الْخِيَاطِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ثُمَّ قَرَأَ
وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ
تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ فَتُعَادُ
رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَ يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا
دِينُكَ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي
فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَ
افْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا
وَ سَمُومِهَا وَ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ وَ
يَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ
الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ
بِالشَّرِّ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ فَيَقُولُ رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَة"َ.
و قد أخرج البخاري و مسلم و أصحاب السنن فقرات من هذا الحديث .
و أخرج البخاري و مسلم عن أنس بن مالك رضي الله
عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ"
إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَ تَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَ إِنَّهُ
لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ
مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و َ
سَلَّمَ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ
وَ رَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا"
قَالَ قَتَادَةُ وَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ "وَ أَمَّا الْمُنَافِقُ وَ الْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا
كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا
يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَ لَا تَلَيْتَ وَ يُضْرَبُ
بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ" . هذا لفظ البخاري و زاد
مسلم في كلام قتادة فقال : قَالَ قَتَادَةُ وَ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ
يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَ يُمْلَأُ عَلَيْهِ
خَضِرًا إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ .
و منها ما أخرجه أحمد عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ" إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَ لَوْ كَانَ
أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذ "ٍ .
و أخرج النسائي عن بن عمر رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ " هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ
الْعَرْشُ وَ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ شَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ
الْمَلَائِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ يعني سعدا " .
و الأحاديث المثبتة لسؤال الملكين و نعيم القبر و عذابه
كثيرة مستفيضة
.
و حياة البرزخ تختلف عن حياة الدنيا و عن حياة الآخرة
من وجوه كثيرة أهمها :
أن الروح تتعلق بالبدن تعلقا خاصا فإنها و إن فارقته
و تجردت عنه عند قبضها فإنها لا تفارقه بالكلية بحيث لا
يبقى لها التفات البتة و إنما ترد إليه في بعض الأوقات
كردها عند سؤال الملكين و تسليم المسلم
عليه عند زيارته له . و هذا الرد هو إعادة خاصة للروح لا توجب حياة البدن قبل البعث .
و هذه حياة البرزخ تقتضي معرفة الميت لمن يزوره من
الأحياء و سماعه لخطابهم على الراجح
و قد قال الإمام بن القيم في كتاب الروح
و السلف مجمعون على هذا و قد تواترت الآثار عنهم بأن
الميت يعرف زيارة الحي له و يستبشر به .
و قد أفاض القرطبي في التذكرة و ابن القيم في كتاب
الروح في تفصيل مراحل هذه الحياة و التعرف
عليها عن كثب و جمعا في ذلك جمعا طيبا . و مع ذلك
فإن حقيقة الأمر تبقى غائبة عن الكل لا
يعلمها إلا الله تعالى ، و على المسلم الإيمان و التسليم .
منقول للفائدة