قصتي مع التصوف
انا لست باحثا اكاديميا اتقدم برساله لنيل درجه علميه , إ ن وراء هذه السلسله من الكتب قصه حقيقيه وتجربه واقعيه غنيه بألاحداث. فقد كنت شيخا للطريقه الخلوتيه العيونيه , وكثير من الناس انخرط في طريقه صوفيه ثم تركها بعد فتره, دون ان يترك الموضوع عنده أي اثر , ومن ثم لا يعرف خلفيات الامر وابعاده, اما تجربتي فقد بدأت مع مشارف السبعينات , فقد تلقيت طريق القوم بإذن من رجل فاضل – رحمه الله – كان يشغل منصبا رفيعا – مستشارا في مجلس الدوله – وكان جم الادب , كثير الصمت , صادق اللهجه , يميل الي العزله , دائم الذكر , حديثه طيب , ليس فيه غلو , ولا شطط , يدعوا الي مكارم الاخلاق , ويأمر بمدامه ذكر الله (عز وجل ) ويحذر المريدين من الغفله عن ذكر من لايغفل ولا ينام , وقد احببت الرجل حبا عظيما , وطلبت التلقين علي يديه , وفي وقت كان يعد نفسه للابتعاد عن الطريق وتوليه ابن الشيخ الكبير مكانه في مسؤليه الطريق , لذلك فقد امره أن يلقنني الطريق , وبدأت اسلك طريق القوم . وقد توجهت من كل قلبي قاصدا وجه الله تعالي , والتزمت كل الالتزام بما امرني به شيخي من الاستغفار والصلاه علي النبي ( صلي الله عليه وسلم ) وذكر لا اله الا الله وبطبيعه الحال لم يكن عندي من العلم أنذاك إلا القدر الذي يعرفه عامه الناس , وبدأت ارتقي مراتب الطريق المرتبه تلو الاخري , وأنا غارق في القراءه , وطلب العلم مع المداومه علي ما امرني به شيخي , ولم تمضي ثلاث سنوات حتي اجاذني شيخي , وكلفني بمشيخه الطريق , وما لبث الشيخ أن ترك الاخوان واعتزلهم وكلفني بمشيخه الطريق ودعوه الخلق الي طريق الحق, وتلقين المريدين بل وترقيتهم بما في ذلك الإجازه بمشيخه الطريق , وشعرت بعظم المسؤليه , خاصه وانا استفتح الحضرات يوم الجمعه في مسجد التحرير بمصر الجديده , ويوم الاحد بمسجد السيده نفيسه رضي الله تعالي عنها و من ادراكي لاهميه ابلاغ الناس امر هذا الدين , فقد اذددت شغفا بالعلم الشرعي لاعُلم نفسي أولا , ثم لانقل العلم الصحيح للمريدين , فقد اعتدت ان اجلس بعد الحضره , واتلقي الاسئله , وكان مفروضا أن اجيب عليها , وهذا ما تلقيته عن شيخي عن شيخه , الا اني اليت علي نفسي , ألا أُجيب عن اي سؤال من تلقاء نفسي , وانما انقل ما تعلمته , وقرأته عن علماء الامه , وسلفها الصالح ,وإذا ما سألت عما لا اعلم فإني اطلب من السائل أن يمهلني لأدرس سؤاله , واجيب عليه في الحضره الثانيه
ثم أراد الله تبارك وتعالي ان تتكشف امامي مواضع الاختلاف بين التصوف والكتاب والسنه وكان في النفس شئ من بعض اجزاء الورد وسألت عنها فقيل صبرا وسيفتح الله عليك بمعانيها فاثرت الانتظار الي ان عرضت علي اول قضيه أثارت انتباهي وهو نص في الورد الذي كنا نردده فرادا او جماعه في الحضره حيث يقول الشيخ اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد الذي شاهد ربه بعيني رأسه وطاب وما غاب (المحامد العونيه في الصلاه علي خير البريه – تأليف محمود افندي عوني )وتذكرت حديث السيده عائشه رضي الله تعالي عنها المعروف في كتب العلم والذي اخرجته معظم مصادرالحديث الشريف وعلي راسها البخاري ومسلم والذي تستنكر فيه هذا القول وتستقبحه وتصف من قال : ان محمدا رأي ربه بأنه قد أعظم علي الله الفريه فكانت دهشتي بالغه : كيف يخالف شيوخنا حقائق الدين وفهم الصحابه عنها ومن اين اتوا بهذه الصيغ ؟! فعكفت الشهور الطوال أدرس هذا الموضوع , اطالع كتب الحديث وشروحها وكتب السيره وما يتعلق بالاسراء والمعراج واشهر كتب التفسير حتي اطلعت علي اقوال الصحابه في هذا الموضوع وانتهيت الي ان الراجح عند علماء الامه ان رسول الله صلي الله علي وسلم لم يري ربه بعيني راسه يوم المعراج وان هذا الخبر انفرد به ابن عباس في راي نقله عن كعب الاحبار كما نقل عن ابن عباس راي اخر قال فيه : ان محمدا راي ربه بفؤاده . فبدأ الشك ينتابني اذ لم اكن اتصور ان هذا الطريق بعيد عن الكتاب والسنه ففتح الله تبارك وتعالي عيني علي مخالفات اكبر وكلما ظهرت لي قضيه اتفرغ لها تماما وكنت اشعر بتوفيق الله تعالي وتيسيره واضحا جليا ومن ذلك اني كنت في يوم ادرس ظاهره الشطح عند الصوفيه وفي ساعه متاخره من الليل احتجت مجموعه من الكتب تناقش الموضوع واذا بصديق يمر عليه فأساله عن الكتب فياتيني بها من مكتبه في دقائق وهكذا بدات تتكشف لي الامور الواحده تلوالاخري وظللت علي هذه الحال ثلاث سنوات او اربع التقي خلالها بمشايخ الطريق ومنهم من يكاشف الناس (المكاشفه هي نوع من الفتح في الفهم الصوفي وللشيخ الذي يكاشف الناس يبادرهم بأشياء حدثت معهم او ستقع لهم وقد سمعت بنفسي مكاشفات عديده من اكثر من شيخ وقع بعضها كما اخبر واكثرها لم يقع بل وقع خلاف قوله وهي تستهوي اكثر زوار هؤلاء المشايخ الذين يذهبون إليهم حبا في سماع هذه المكاشفات .(وكثير من الاحداث الا احدا منهم لم يشعر اني ابحث في تاصيل الطريق ومدي حيوده عن الكتاب والسنه وبعد دراسه متانيه تجمعت عندي جوانب القضايا وحقائق معظم المخالفات الصوفيه ثم بدات في مرحله مفاتحه مشايخ الطريق وخلفاء الشيخ الاكبر حتي اتبين مواقفهم وحقيقه عقيدتهم وكان هاجسي الاكبر هل ينتصرون لله ورسوله ؟ ام ان حب الشيخ والطريق هو حقيقه دينهم ؟ وما تركت منهم شيخا الا وناقشته –خاصه صلاح القوصي الذي طالت مناظراتي له الساعات الطوال والليالي ذوات العدد وقد طلبت منه حضور مريديه واتباعه معه لجلسات النقاش إلا انه اصر وبالحاح علي تجنب الاخوه مثل هذه الامور وانه سيبلغهم بما نصل اليه ؟ وقد ظهر لي جليا انه كان يتعمد اخفاء القصور في فهمه وضحاله عقيدته وان تظل صورته المرسومه في اذهان تابعيه في اعلي مكانه ممكنه ولم يكن له ان يعترض علي حضور السيد / عمر البدوي وهو اخي في الله سرنا معا الدرب كله وكان متتبعا لمنهج التصحيح الذي وفقني الله اليه – وقد وفقني الله تبارك وتعالي ايضا لدحض جميع دفاعتهم حتي الجمهم الصمت وكثيرا ما كان يفتح فاه من الدهشه عنما القنه الحجه والدليل فما وجدت عن القوم دليلا ولا برهانا سوي قولهم إن شيخنا كان رجلا صالحا وعالما في كليه اصول الدين فكيف يفوت عليه خلل ؟ وتأتي انت وتنتقد ما استمر علي الشيخ حتي وفاته وعجز المشايخ عن الاجابه عن تساؤلاتي والتعقيب علي اعتراضاتي ولم يتمعر وجه واحد منهم لله تعالي ثم استقطب النقاش طامع في مكانه الشيخ الاكبر وهو رجل مثقف حاصل علي الماجستير في الكمياء وكان يعمل في السعوديه آنذاك فكان إذا سمع حجتي وافقني حتي انه قال لي : أقسم بالله لو ان ما تقوله صحيحا لاترك الجمل بما حمل فظننت أن الله سيهديه الي الحق الا انه طالبني بمهله يقرأ فيها ما قرأت وسار علي خطه خبيثه فقد امر مريديه بالابتعاد عني وأشاع انني كنت علي وشك ان يفتح الله علي وأتلقي (كن فيكون ) الا انني لم احتمل الانوار فتوقفت وفُتنت وطالبهم بعدم زيارتي وعدم الانصات إلي ولما نقضت إجازته عاد الي السعوديه وبعث لي برساله طالبني فيها ان اكتب له عن المآخذ التي توصلت إليها عن التصوف وتعهد بان يبعث لي بالرد عليها فبعثت له بقضيه العدوان في الدعاء والمنتشره ليس في اوراد طريقتنا فقط وانما في معظم اوراد الصوفيه وقلت له سأبعث لك تباعا موضوعاتنا تلو موضوع إذا بعثت لي بالرد عليها وما كان من الرجل إلا ان انقطع عن الكتابه ولم يصلني منه الرد حتي الان وعندما قابلته بعد عشر سنوات وسألته عن الرد قال لي انه حُر يبعث او لا يبعث بالرد وبعد ما يذيد علي عشر سنوات اراد الرجل ان ينفصل كليه عن الطريق ويصنع لنفسه طريقا خاصا فما كان منه الا ان غير جميع الاوراد وزعم لمريديه أنه تلقي هذه الاوراد من النبي – صلي الله عليه وسلم – وانه اخرج من الاوراد جميع المآخذ التي اخذتها علي الطريق ففرح المريدون واتصل بي بعضهم يدعوني لجمع الشمل فقد حذف النبي كل ما اعترضت عليه – علي حد قوله – وعندما اطلعت علي الاوراد الجديده ادركت ان الرجل كاذب محتال بل وفات عليه أشياء تثبت ان عقيدته لم تتغير وانما فقط تلونت وخفضت راسها للعاصفه ونفس المفاهيم الشركيه موجوده فالالحاد في ذكر الله قائم وعقيده وحده الوجود موجوده والرجل يضحك علي اتباعه السذج بحذف الاسماء السريانيه وسارت الايام حتي اصدر الرجل ديوان شعر جديد سماه العتيق واخطر ما في الديوان التعليقات التي يشرح فيها مراده من نصف ابيات الديوان وكل تعليق من هذه التعليقات كارثه كبري فالرجل يعلن ان له كرامات وانه يوحي اليه وحدث له اسراء الي جبال الاناضول ومعراج الي السماء السابعه وانه تعين القطب الغوث (راجع كتاب موسي والخضر علما الظاهر والباطن لمعرفه المقصود بالقطب الغوث ). ولما اصدرت كتابي الاول كان عندي الامل ان يستمع الصوفيه الي نداء الكتاب والسنه والاعراض عن البدع والشركيات ولكن هيهات فاستمر بحثي عن اصل هذه الافكار ومتي ظهرت في الاسلام ؟ ومن اول من اظهرها من الناس ؟ محاولا الوصول الي اصول الصوفيه والمنابع التي استقت منها هذه الافكار . ثم جاء سؤال مهم جدا سمعته من بعض اصدقائي مما ينتمي الي التيجانيه يقول فيه – لم اعتراضك علي التصوف ككل ؟ قد يكون طريقك الذي سلكته فيه بعض الشطط والزيغ والانحراف , فما ذنب الطرق الاخري ؟ أهناك ما يؤكد ان كل الطرق علي شاكله طريقك ؟ وشيخنا الحافظ عالم في الحديث ورقنا مطابق للكتاب والسنه لا يخالفهما قيد انمله –والرجل بسؤاله هذا يحاول ان يحصر الاعتراضات في الخلوتيه اما التيجانيه او الشاذليه والدسوقيه وغيرها بل وباقي الطرق الصوفيه فخاليه من ذلك – والتصوف ككل برئ –فطلبت من الرجل كل ما طبع من كتب واوراد التيجانيه لادرسها فزودني بها فهالني زخم المخالفات في التيجانيه فعلمت ان الرجل يدافع بحسن الظن وانه لم يقرأ كتب طريقته ولا يدري ما فيها – عندئذ قررت الحصول علي ما استطيع الوصول اليه من اوراد الطرق الصوفيه , وبدأت مرحله ثالثه حين درست اوراد عشرين طريقه صوفيه هي ما امكنني الوصول الي مصادرها وكتب اورادها , وأخذت اتتبع افكار الانحراف المثله في وحده الوجود وذكر الله بالاسماء السريانيه والعدوان في الدعاء وغيرها من الافكار . وللاسف الشديد كان هناك اتفاق بين جميع الطرق الصوفيه العشرين علي نفس الافكار والدعائم , لذا فقد تحول البحث من قضيه طريق صوفي الي مناقشه قضيه التصوف ككل . ومن هنا كانت قصه موسي والخضر عليهما السلام هي : الدعامه الاساسيه التي يرتكز عليها الصوفيه والباطنيه , وقد شرحت في في كتابي السابق كيف اعتمدت الفرق الباطنيه علي قصه موسي والخضر ولقائهما في تقسيم للدين الي ظاهر والي باطن – اما كتابي الرابع والذي عقدت النيه علي كتابته منذ سنوات طوال حين تكشفت لي حقائق لا يعلمها كثير من الناس ومما ذاد من اهميه نشر هذه الحقائق ما يحدث الي الان في الاضرحه وبالاخص ضريح الحسين وضريح السيده زينب من موالد وحضرات ونذور وتوسل الي الله عز وجل بآل البيت ولما كانت الصوفيه هي المسؤل الاول عن امداد هذه الاضرحه والموالد بالمريدين وغيرهم – فماذا سيفعل هؤلاء وهؤلاء عندما يتبين لهم ان هذه الاضرحه التي يتبركون بها بمن بها من آل البيت لا تضم رفات احدا من آل البيت بها .
والي ان نلتقي في الكتاب السادس
من كتاب للمؤلف – مهندس طيار/ محمود المراكبي
حاصل علي نوط الشجاعه في حرب اكتوبر1973
وهذا جزء ضئيل جدا قمت بنقله من احد كتبه
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
غير متواجد حالياً
قصتي مع التصوف
